March 2013
11

محمد هالي: عدالة المساواة, لا عدالة الإنصاف.

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

في زمن اختلاط المفاهيم، و كثرة التأويلات المقدمة في هذا المجال، يتبين أن أكثر المفاهيم تشوها، هي تلك المرتبطة بالسياسة، ربما لأنها تسخر إيديولوجيا، لكي تقوم بتدويخ الأدمغة، و خلط الرؤى لدي غالبية الناس، ، كمفهوم العدالة، و الديمقراطية، و الحقوق، و الحرية ...إلخ.و عادة ما نسمع ب"الدول الديمقراطية"، و "دول حقوق الإنسان" و"دول الحرية و العدالة"... ‘لخ و يقصد بها في الغالب، الدول الغربية الرأسمالية، لكن مبحث القيم هذا، وما يتميز به من صورية، و غموض، قد يتحول قي كثير من الأحيان، إلى حقائق، و تصبح تلك الدول، مثالا للحرية، و العدالة الاجتماعية، يجب الاقتضاء به، و هذا الفهم مغلوط إلى درجة الغثيان، هل يمكن أن نتغطى بالغربال لكي نحتمي من الأمطار؟ إن العدالة كما يقال هي مقياس للحقوق، و لعل أرقى الحقوق تتمثل في الحقوق الاقتصادية، و التي تتفرع عنها باقي الحقوق الأخرى. ماعدا إذا أردنا أن نتحدث عن العدالة كإنصاف، لا كمساواة، و هذا مخزي، يضر بالعدالة نفسها، و يشوه صورة الواقع المشوه أصلا، ألا يمكن اعتبار الفوارق الطبقية المتفشية في المجتمعات الغربية، و تشرد نسب عالية في كنف البطالة، يضر بالديمقراطية، و حقوق الإنسان المزعومين؟ هل العدالة تختزل في حرية التصويت، و الانتخاب ، و حرية الإعلام أم يجب النظر إلى كل هذا من زاوية المساواة في كل شيء، لا التوقف عند البنية الفوقية للمجتمع، و ندعي الحرية، و العدالة، و الحقوق، و الديمقراطية؟ .إن العدالة الاجتماعية مطلب نسعى إليه، نتمناه، يوجد خارج إرادة الشعوب، لأن العدالة بهذا المعنى ترتبط بالقوانين، و فصول هذه الأخيرة، هي بمثابة حقوق، و كلما سعينا للحقوق، و حققناها، توجهنا لا محالة صوب العدالة، لكن المشكل يكمن أصلا في التماثل القائم بين الحقوق، و القوانين، من أجل نحث العدالة، و العيش في كنفها، لأن صانع القوانين موجه، و مفبرك، بأيدي المصالح الطبقة المسيطرة، فيوزع الحقوق بفصول قوانين توجه العدالة لصالح انتمائه الطبقي، و بهذا تكون مثالات الغرب كصانع للحقوق، و العدالة، أسطورة يحاول صنعها من طرف المطبلين للغرب، و ديمقراطيته، و عدالته، و من قيمه النبيلة التي هي جسر الحرية و المساواة في الرأي، لا في الاقتصاد.إن المجتمع الرأسمالي هو صانع لهذه القيم حقا، رغم أن المعنى المفهومي عريق في الفلسفة اليونانية الغربية أيضا، لكن توظيفه في عصر النهضة الأوربية، كان من أجل غاية نبيلة، و هي الإطاحة بالإقطاع، المتسم بالتخلف، و القمع، و الانحطاط، فكان لا بد من حمل مشعل القيم، للتمرد على قيم الفيودالية العتيقة، و التي لم تعد صالحة للمجتمع الطامح للتجديد، و التغيير، و التوجه إلى الصور القيمية المتعالية، كمسعى لبناء مجتمع النقد، و الحرية، و الديمقراطية، و لعل فلسفة الأنوار حافلة بهذه الشعارات القيمية، الراقية، و شرحها و تفسيرها، كالأخوة، و العدالة، و الحق، و الديمقراطية، لكن هذه المطالب الصورية من وجهة نظر القيم، ظلت كما هي، تحاول التنطع في المجتمعات ، و الدخول إلى الأفراد كعقائد جديدة، بدل العقيدة الدينية الإقطاعية البالية، لكنها تحاول أن تحافظ على سكونيتها، و ثباتها، لأن العدالة هنا طبقت عبر حقوق طبقة، على حساب طبقة أخرى، فحافظت العدالة هنا على الطابع الفوقي، سمحت بحرية النقد و التعبير... لكن خطؤها أنها سمحت بحقوق التملك للأقلية، و أقصت الأغلبية، لهذا الاعتبار تسعى التوجهات الليبرالية إلى الإقتداء بفوقية الغرب، لعله يغير واقعية الشرق.إن السعي نحو العدالة ضروري، و مطلب أساسي، لكن يجب فهمه ضمن ما هو شمولي، و لا يجب الاكتفاء بعدالة الإنصاف، و نسيان عدالة المساواة، و هذا ما لاحظناه يطبق، في الدول التي حاولت أن تغير الأنظمة العربية الأكثر ضراوة من الإقطاع الغربي المطاح به، في الغرب، إن الحركات الاحتجاجية في العالم العربي الآن ترفع نفس الشعارات الأوربية "كرامة، حرية، عدالة اجتماعية"، و هي شعارات محقة في جوهرها، لكن يجب فهمها في سياق عدالة الحقوق، لا حقوق العدالة، لأن هناك بون كبير بينهما، مادام أن الأولى، مطلب و مسعى نبيل، تطمح إليه الشعوب، و تتمناه، و ذلك بتوزيع الحقوق بطريقة عادلة، أما الثانية، فهي ما وصلت إليه كل من التحركات الجماهيرية، في كل من تونس، و مصر، أما اليمن فتلك قصة أخرى، لأنها توقفت عند النقطة التي انطلقت منها، رغم التضحيات الكبيرة التي قدمتها نظرا للتكالب الخليجي، و الإمبريالي عليها، هل ستصل هذه الشعوب إلى عدالة الحقوق أم أنها ستكتفي بعدالة حقوق العدالة؟سؤال ستجيب عنه الشهور القادمة، إن لم نقل السنوات القادمة، لهذا يجب فهم عدالة الإنصاف الغربية هذه، و تحويلها إلى عدالة المساواة، و ذلك بالتوجه لعدالة الثروة، لا عدالة القيم، لأن حرية التعبير، و حرية النقد، و حرية الرأي، ... إلخ، هي مجموع حريات، تدخل ضمن العدالة، لكنها لا تغير شيئا في كنف السيطرة الطبقية، المعتمدة على حقوق فئة اجتماعية على حساب فئة أخرى.

محمد هالي

منقول عن موقع الحوار المتمدن.