September 2014
21

ما الكاتب؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

د. حسن مدن*

ما الفرق بين الكُتاب الأربعة التالية أسماؤهم: هيغل وفرويد وماركس ونيتشه؟

الإجابة المباشرة ستكون، على الأرجح، كالتالي: هيغل فيلسوف، فرويد عالم نفس، وماركس اقتصادي، ونيتشه أديب.

ليست الإجابة خاطئة. التوصيفات أعلاه تصح على كل واحد من الأربعة الواردة أسماؤهم. لكن ثمة إجابة أعمق يقدمها موريس بلانشو، في كتابه: "أسئلة الكتابة"، الذي قسم الباحثين إلى أربع فئات، هي كالتالي: أستاذ يُعلم، رجل معرفة مرتبط بالأشكال الجماعية للبحث المتخصص، الذي يشمل، فيما يشمل، التحليل النفسي، والعلوم الإنسانية عامة، والأبحاث العلمية، ويطلق على من ينضوون تحت الفئة الثالثة مَن يربط البحث العلمي بالممارسة السياسية، فيما تضم الفئة الرابعة من يكتب فحسب.

وفق هذا التصنيف، سنجد مكاناً لكل واحد من الأربعة أعلاه في الخانة التي تلائمه: هيغل كان يُدرس الفلسفة، ومن عباءته خرج تلاميذ كُثر، فرويد كان محللاً نفسياً إكلينيكياً، أما ماركس فجمع بين البحث في الاقتصاد السياسي والممارسة السياسية كونه، أيضاً، مُنَظِماً حزبياً، فيما كانت موهبة نيتشه تتمثل في الكتابة التأملية العميقة.

الأربعة كانوا باحثين، ولا مجال للمفاضلة بين موهبة أو عطاء كل منهم. كلهم كانوا موهوبين ومنتجين للمعرفة، ولكن كل في مجاله، وبأدوات البحث التي تلائم حقل تخصصه.

لكن الأهم من ذلك أن الأربعة كانوا كتّاباً، أي أن الكتابة هي إحدى أدوات تعبيرهم، أو إيصالهم لأفكارهم. صحيح أن الأستاذ الجامعي يمكن أن يستخدم الشفاهة وسيلة لإبلاغ تلاميذه الدروس، ولكن، كما في حال هيغل، ما أكثر ما يجمع الأستاذ الجامعي بين الكتابة والشفاهة، أو الخطابة إن شئنا. وصحيح أن المحلل النفسي، كما في حال فرويد، يعمد إلى المعاينة الإكلينيكية لمرضاه وسيلة لتشخيص حالاتهم وبلوغ استنتاجاته العلمية من واقع هذه المعاينة، لكن ما أكثر ما يجمع المحللون النفسيون الجادون بين هذا والكتابة وسيلة لشرح آرائهم.

وليس كُل الدعاة السياسيين والمُنظِمين الحزبيين كُتاباً، لكن في حالات كثيرة، كما في حال ماركس، يمكن للداعية السياسي أن يستخدم الكتابة والبحث العلمي وسيلة للدفاع عن الآراء السياسية التي يبشر بها، فنجد بعضهم يتوفر على مَلكات الخطابة والتنظيم والكتابة.

مثال نيتشه نموذج للكاتب الذي سيكون الاكتفاء بوصفه كاتباً، قليلاً عليه إنه رجل فلسفة أيضاً وباحث في النفس الإنسانية، لكن، على خلاف الأمثلة السابقة، فإن الكتابة هي أداته الوحيدة في الإبلاغ.

____________________

*الأمين العام السابق للمنبر الديمقراطي التقدمي - البحرين

منقول عن موقع التجديد العربي تاريخ 15/09/2014