December 2013
10

التطور الديمقراطي في الكويت

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

قلم: د.فواز فرحان*

لم تكن الديمقراطية وليدة لحظتها في مختلف بلدان العالم؛ بل هي نتاج لتراكم الخبرات والتجارب على مدى مختلف العصور التي مرت بها البشرية وكذلك هي محصلة لكل ما قدمته الشعوب من تضحيات، ولم تنضج التجربة الديمقراطية -مع الأسف- إلا بعد معاناة مريرة واجهت الشعوب بسبب قمع السلطات الدكتاتورية بمختلف ألوانها وأشكالها والتي سعت للإبقاء على الوضع الإستبدادي المستفيدة منه الطبقات المسيطرة التي تمثل مصالحها هذه السلطات، وليست الشعوب العربية عموماً والشعب الكويتي خصوصاً مستثنين من هذه الصيرورة التاريخية وهذه التجارب البشرية في طريق اكتمال نضوج تجاربها الديمقراطية.

لا نستطيع التعامل مع كل حقبة زمنية في التاريخ الكويتي بصورة منفصلة عما سبقها أو تبعها من حقب؛ فهذه الحقب الزمنية ليست إلا حلقات في سلسلة هذا التاريخ وتجارب كل حقبة ليست إلا إضافة لركام تجارب الحقب التي سبقتها. لا يمكن فهم طبيعة الصراع السياسي في الكويت إبان فترتنا الحالية من غير المرور على مجلس الشورى في عام ١٩٢١ والمجلس التشريعي الأول في عام ١٩٣٨ وسنة المجلس في عام ١٩٣٩ التي استشهد بها محمد القطامي ومحمد المنيس وفترة المجلس التأسيسي في عام ١٩٦٢ وما خالجها من تحديات في اجتماعات لجانه التي وضعت دستور الحد الأدنى وسنة تزوير الانتخابات في عام ١٩٦٧ وسنتي الإنقلاب على الدستور في عامي ١٩٧٦ و ١٩٨٦ وفترتي الفراغ الدستوري والذي كان مجموع سنواتهما ما يقارب العشر سنين، ولا يجوز تجاوز ممارسات السلطة القمعية بمختلف مستوياتها خلال العقود الماضية لنركز فقط على ممارساتها خلال فترة الحراك الشعبي الاحتجاجي السابقة لأننا وببساطة سنفتقد لأبسط التحليل المنطقي لنهجها ومنطلقها في عرقلة التطور الديمقراطي الكويتي.

بالتأكيد هناك رواسب موروثة وأمراض اجتماعية تبدو وكأنها هي المعرقل الأساسي لتطور الديمقراطية في الكويت، ولكننا لا نستثني الشعب الكويتي عن شعوب العالم من كل النواحي وخصوصاً من ناحية حاجته لتجارب واقعية ملموسة تساهم في نضوج ثقافة الديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي؛ فشعوب العالم لم تزح موروثاتها المعرقلة وأمراضها الاجتماعية وأهمها التعصب الفئوي إلا من خلال تجارب ديمقراطية واقعية نهضت وتراجعت مراراً وتكراراً حتى وصلت إلى ما نراه الآن من مراحل متطورة على مستوى الديمقراطية. وسيطرح أحدهم السؤال التقليدي المعتاد: كيف سنُدخل التجربة الديمقراطية حيز التنفيذ وكيف سيتطور الشعب من خلالها؟ والجواب تقليدي ومعتاد أيضاً: من خلال جهد الطليعة السياسية الواعية المعتمدة والقائمة على نضال الجماهير الشعبية و وجود ميزان قوى يفرض هذه التجربة ويدخلها هذا الحيز، هذا ملخص تجارب الشعوب وهذا هو النموذج الذي جربته ولا نستطيع وضع أي تصور آخر إلا في خانة التنظير الخالي من دليل تاريخي مادي ملموس.

في ظل هذا الواقع السياسي المشوّه الذي فرضته السلطة من خلال رجحان كفة ميزان القوى لصالحها والذي أنتج دستور الحد الأدنى المنقوص ديمقراطياً لا مجال أمام الطليعة السياسية الواعية في الكويت لتدفع عجلة التطور الديمقراطي إلى الأمام إلا من خلال خروجها من مرحلة الحراك الاحتجاجي إلى مرحلة الحراك السياسي الديمقراطي المنظم عن طريق تبني مشروع بيّن المعالم مدعوم من تفاعل الجماهير الشعبية مع هذا المشروع، ولن يكون هذا المشروع صالحاً لتلتف حوله القوى السياسية المعارِضة إلا إذا كان صريحاً في المطالبة بالديمقراطية والتداول السلمي للسلطة التنفيذية و دقيقاً في تحديد المواد الدستورية التي يجب تغييرها ليحدث التطور الديمقراطي المنشود و واضحاً في موقفه من الحريات الشخصية والعامة، ولن يكون النجاح حليف هذا المشروع إذا ركز فقط على العمل النخبوي الفوقي من غير التوجه إلى القطاعات العريضة من الجماهير من خلال عمله بينها في الشارع لرفع وعيها السياسي وحشدها وتعبئتها خلفه بهدف تغيير موازين القوى لصالح التطور الديمقراطي.

بعد كل هذا الكلام يجب أن نعي بأن النضال في طريق الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية طويل وتواجهه الكثير من العراقيل والتحديات ويحتاج إلى صبر ومثابرة وعزيمة وإصرار؛ فشعوب العالم لم تتطور بين ليلة وضحاها.

--------------------------------------

*عضو التيار التقدمي الكويتي.