June 2011
14

التقرير الأخير الصادر عن "هيومن رايتس ووتش" حول مشكلة البدون في الكويت

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

ننشر فيما يلي نص التقرير الأخير لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان "هيومن رايتس ووتش" عن مشكلة البدون في الكويت التي تتطلب حلولاً ومعالجات كويتية وطنية جادة من دون تأجيل قبل أن يتم فرض الحلول والمعالجات علينا من الخارج:

مدينة الكويت) - قالت هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته اليوم إن الكويت لم تقم بالوفاء بوعودها على مدار العقود بمعالجة طلبات المواطنة الخاصة بأكثر من 106 ألف شخص بدون جنسية يعيشون في الكويت.

تقرير "سجناء الماضي: البدون في الكويت وعبء العيش بلا جنسية" الذي جاء في 63 صفحة يصف كيف أن في الكويت - أحد أغنى دول العالم - البدون يعيشون خارج إطار المجتمع العادي، في عرضة للمخاطر ودون تدابير حماية. الكثير يعيشون في فقر. وتعتبر الكويت فئة البدون "مقيمون بصورة غير قانونية". ورفضت الحكومة منحهم الوثائق الضرورية ومنها شهادات الميلاد والزواج والوفاة، وكذلك إتاحة ارتياد المدارس الحكومية وفرص التوظيف القانونية.

وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "مثل باقي العالم العربي، سأم البدون وها هم يطالبون بالإصلاحات التي كان على الحكومة أن تعلنها قبل أعوام عديدة. ردت الحكومة على التظاهرات السلمية بوعود بالإصلاح، لكن عليها أن تفعل المزيد وأن تتعامل مع طلباتهم بالجنسية".

في فبراير/شباط ومارس/آذار 2011 تجمع مئات البدون للاحتجاج على إخفاق الحكومة في البت في طلباتهم بالحصول على الجنسية. رداً على هذه التظاهرات وعدت الحكومة ببعض الاستحقاقات الجديدة، ومنها إصدار شهادات الميلاد والزواج والوفاة وتوفير الرعاية الصحية المجانية وتوفير وظائف إضافية. إذا تم تنفيذ هذه الإجراءات، فهي على حد قول هيومن رايتس ووتش تعتبر خطوات إيجابية. إلا أنها رغم ذلك تخلّف بلا حل السبب الجذري لمشكلة فئة البدون: طلبات الجنسية.

أم وليد، أرملة من فئة البدون تبلغ من العمر 43 عاماً، قالت إن ليس لديها أوراق رسمية تثبت علاقتها بزوجها الراحل. قالت: "[عندما] يموت البدون، فلا توجد شهادة وفاة، [وأيضاً] لا إثبات أنني كان لي زوج من الأساس. ليس لنا هوية رسمية". وقالت بسمة أ. لـ هيومن رايتس ووتش: "[ابني] وُلد دون شهادة ميلاد، و[مات] دون شهادة وفاة".

يتواجد البدون في الكويت منذ الاستقلال في عام 1961. بعد التسجيل المبدئي للبدون على مدار الفترة الماضية، راحت السلطات تنقل طلبات البدون بالجنسية بين بعض اللجان التي تفادت تسوية طلباتهم مع تولي هذه اللجنة وتلك بالتوالي المسؤولية الكاملة عن تحديد قدرة البدون على الحصول على الوثائق المدنية وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية. يحظر القانون الكويتي على المحاكم البت في طلبات الجنسية.

ومنذ أواسط الثمانينيات، ترى الحكومة أن الأغلبية العظمى من البدون يعتبرون "مقيمون بصورة غير قانونية" وتعمدوا إتلاف الأدلة على جنسياتهم، مع حرمانهم من المراجعات الفردية لطلباتهم بالجنسية. البدون غير المسجلين - أي الذين أغلقت السلطات ملفاتهم الخاصة بطلب الجنسية أو رفضت تسجيلهم - عرضة أكثر من الآخرين للخطر والتهميش، إذ أن هناك قيوداً على حريتهم في التنقل وفي ظل الخوف الدائم من الترحيل.

يحظر القانون الدولي الحرمان التعسفي من الجنسية ويطالب البلدان التي تنظر في الطلبات بالبحث في "الصلات الحقيقية والفعالة" التي تربط المتقدم بالطلب للدولة، لدى النظر في طلب الجنسية، بما في ذلك الصلات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تظهر مع مرور الزمن. وقالت هيومن رايتس ووتش إن على الحكومة الكويتية أن تهيئ آلية سريعة وشفافة لمراجعة طلبات الجنسية الخاصة بفئة البدون، تتسق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ولابد أن تأخذ هذه الآلية في الاعتبار صلات البدون القائمة منذ زمن طويل، والتاريخية، بالكويت، وأن تشمل فرصة المراجعة القضائية للقرارات.

بصفتهم "مقيمون بصورة غير قانونية" يواجه البدون عقبات في الحصول على الوثائق المدنية، مما يخلفهم غير قادرين على الحصول على الخدمات الاجتماعية العادية أو التحرك بصفة الأعضاء الطبيعيين في المجتمع. الجهاز المركزي لمعالجة وضاع المقيمين بصورة غير قانونية "لجنة البدون" - أحدث هيئة إدارية مكلفة بالنظر في طلبات البدون - عليها أن توافق على جميع الأمور الإدارية المتعلقة بهذه الفئة.

قابلت هيومن رايتس ووتش 70 شخصاً أثناء إعداد هذا التقرير، منهم 18 شخصاً عرّفوا أنفسهم بأنهم من فئة البدون، وكذلك نشطاء حقوقيين ونشطاء مجتمع مدني كويتيين، ومحامين، وأكاديميين. وقابلت هيومن رايتس ووتش كذلك مع مسؤولون من الجهاز المركزي لمعالجة وضاع المقيمين بصورة غير قانونية "لجنة البدون" المقيمين بصورة غير قانونية، اللجنة الإدارية السابقة التي كانت مسؤولة عن شؤون البدون، لكن رُفضت طلباتها بالمقابلات، وفي بعض الحالات لم تصلها إجابة على الطلب.

قال أفراد من البدون أجريت معهم مقابلات إن اللجنة رفضت الموافقة على طلباتهم بالحصول على وثائق حكومية، بزعم أنه لا دليل هنالك على أنه ليس لديهم "جنسيات حقيقية" أخرى - وهي الأدلة التي لم يُسمح لهم بالاطلاع عليها أو الطعن فيها. قالوا إن الهيئة رفضت الطلبات بالحصول على شهادات الميلاد والزواج والوفاة، مما خلّفهم بلا سبيل آخر لإثبات علاقاتهم القانونية بأفراد أسرهم.

يطالب القانون الدولي لحقوق الإنسان الحكومات بتوفير وثائق مدنية محددة لجميع السكان، سواء المقيمين القانونيين أو غير ذلك، بما في ذلك حق الطفل في التسجيل لدى الميلاد، والحق في الزواج وتأسيس أسرة. على الحكومة الكويتية ضمان حق البدون في الوثائق المدنية، بما في ذلك شهادات الميلاد وتسجيل الزيجات وشهادات الوفاة ووثائق السفر.

وقالت سارة ليا ويتسن: "حرمان البدون من وثائق الهوية الأساسية على أساس وجود أدلة سرية تفيد بأن لهم جنسيات أخرى، هو عمل تعسفي إن لم يكن غير عادل". وتابعت: "سياسة الحكومة الكويتية التي تجعل البدون غير مرئيين لا تؤدي لاختفاء مشكلة البدون، لكنها تجلب المعاناة والعزلة لفئة مستضعفة من الناس".

كما يتعرض البدون لانتهاكات لحقوقهم الاجتماعية والاقتصادية، بما في ذلك الحق في التعليم والصحة والعمل، على حد قول هيومن رايتس ووتش. توفر الحكومة الكويتية بعض الخدمات الجزئية، وفي 26 مايو/أيار وافقت على توفير بطاقات دعم للطعام عن طريق تعاونيات تديرها الحكومة. لكن الحكومة لم تقر بالحقوق القانونية والمزايا المستحقة للبدون، وتستمر في تطبيق سياسات تمييزية ضدهم.

بينما بعض البدون يحملون بطاقات هوية أمنية تسمح لهم بالحصول على الخدمات المتوفرة للبدون، فإن البدون غير المسجلين ليست لديهم هذه البطاقات حتى ويخشون الخروج من بيوتهم لأنهم بذلك قد يتعرضون للاعتقال والترحيل. تستبعد الحكومة البدون غير المسجلين من الخدمات الجزئية التي توفرها، بما في ذلك بعض من الإصلاحات الجديدة الموعودة هذا الربيع. البدون غير المسجلين يواجهون عوائق أكبر في الحصول على التعليم والرعاية الصحية وفرص العمل.

ورغم أن الكويت وقعت اتفاقية حقوق الطفل، التي تطالب الحكومات بتوفير التعليم الابتدائي المجاني لجميع الأطفال، فلا يمكن كثير من أطفال البدون ارتياد المدارس الحكومية المجانية المخصصة للأطفال الكويتيين. بل إنهم مع تحصيل بعض المساعدة في مصروفات التعليم، يرتادون مدارس خاصة أقل مستوى تخدم البدون بشكل شبه حصري. يتلقى الأطفال الكويتيون التعليم المجاني حتى التعليم الجامعي.

أم عبد الله، سيدة من البدون تبلغ من العمر 58 عاماً، قالت لـ هيومن رايتس ووتش إن من بين أحفادها الأربعة، لا تذهب حفيدتان إلى المدرسة، وأنه بينما هناك حفيد يتلقى مساعدة في توفير المصروفات المدرسية، لا يحصل الآخر على المثل. البدون الذين يرتادون المدارس يعانون من ندرة فرص التعليم العالي وفرص التوظيف، حتى إذا كان أدائهم جيداً في المدارس.

وقالت فاطمة أ.، سيدة من البدون تبلغ من العمر 24 عاماً: "كانت مدرستنا سيئة جداً، و[رغم] أنني تلقيت 96 في المائة درجات نهائية، فلم أتمكن من عمل أي شيء".

بصفتهم "مقيمون بصورة غير قانونية" لا يمكن للبدون العمل في أغلب الوظائف القانونية. وقامت الحكومة بتوفير شريحة صغيرة من المناصب التي يمكنهم التقدم لشغلها. بعض البدون قالوا إنهم لجأوا للأعمال الرسمية والأعمال الحرة، مثل بيع الخضراوات في الشوارع وإصلاح السيارات والعمل بالحياكة. أولئك الذين بدأوا في الأعمال الحرة عليهم الاعتماد على أصدقاء من المواطنين أو أقارب لهم في تسجيل تراخيص العمل والممتلكات بأسمهم، بما أنه لا يمكن للبدون امتلاك العقارات أو الحصول على تراخيص بأعمال تجارية.

وقالت زاهر، من البدون وتبلغ من العمر 50 عاماً: "خدم أبي في الجيش الكويتي 27 عاماً. [لكن الآن] لا يعمل أحد من أفراد أسرتي".

كما أن البدون الذين تمت مقابلتهم تعوزهم الرعاية الصحية غير المكلفة أو يسيرة الاستغلال. بصفتهم مرضى مُعدمين، فإن بعضهم لا يمكنهم الحصول على الرعاية الطبية الموصوفة لهم من قبل أطباء، بينما تعوز البعض الآخر الوثائق التي يقولون إن المستشفيات والعيادات تطالبهم بها لعلاجهم. مؤخراً وعدت الحكومة الكويتية بالرعاية الصحية المجانية للبدون. جميع المواطنين الكويتيين يحصلون على رعاية صحية مجانية في العيادات والمستشفيات الحكومية.

مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق غير المواطنين شدد على أنه "يجب أن يحصل جميع الأفراد من واقع كونهم بشر على جميع الحقوق الإنسانية" وتشمل الحق في التعليم والرعاية الصحية، مع إمكانية وجود "مواطن تفرقة استثنائية"، بينما اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والكويت دولة طرف فيها، تحظر التمييز على أساس من الأصل الوطني أو انعدام الجنسية.

وقالت سارة ليا ويتسن: "نظراً لحجم الموارد الهائل المتوفر للسلطات الكويتية، فمن المخزي أن يضطر أي طفل في الكويت لعدم ارتياد المدارس، أو أن تعيش العائلات في ظروف اقتصادية صعبة". وتابعت: "باقتصار إتاحة مدارس مختلفة للبدون وتوفير وظائف هامشية أو غير قانونية لهم، وحيوات منفصلة، فإن الحكومة بذلك تنخرط في أنشطة فصل عنصري، وهو من أوجه التمييز الصارخة".

خلفية

أثناء فترة التسابق على تسجيل المواطنة إبان استقلال الكويت، أخفق عدد كبير من المقيمين على مشارف الكويت - لا سيما في أوساط القبائل البدوية الرحالة - في إتمام إجراءات التسجيل. بعضهم كانوا أميين ولا يمكنهم توفير وثائق تثبت مطالبهم بالجنسية بموجب قانون الجنسية الكويتي، بينما لم يفهم آخرون بكل بساطة أهمية المواطنة في المستقبل.

في الستينيات والسبعينيات منحت الكويت للبدون الخدمات الاجتماعية والعامة الممنوحة للمواطنين، باستثناء الحق في التصويت. لكن مع انعدام الاستقرار السياسي في الثمانينيات، عندما تعرضت الكويت لمجموعة من الهجمات الإرهابية، تغيرت سياسة الدولة إزاء البدون تغيراً كبيراً، وأوقفت الحكومة قدرتهم على استخدام المدارس الحكومية والرعاية الصحية المجانية وبعض الوظائف الحكومية. بدأ المسؤولون الحكوميون في التأكيد على أن الأغلبية العظمى من البدون كانوا مواطنين لدول أخرى مجاورة ثم أتلفوا وثائقهم أملاً في الحصول على مزايا الجنسية الكويتية، وأنهم "مقيمون بصورة غير قانونية".

إثر غزو العراق للكويت عام 1991 ثم عملية التحرير، وجد البدون أنفسهم في وضع متأزم بشكل متزايد ومحل ريبة وشك. لم يعودوا يعتبرون جزءاً من نسيج المجتمع الكويتي، في فترة زاد فيها الشك من المتسللين العراقيين، ففقد الكثيرون وظائفهم في الجيش والشرطة الكويتيين.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2010 وعد المسؤولون الحكوميون بمبادرة جديدة لتسوية الموقف خلال خمس سنوات، وإثر احتجاجات البدون في فبراير/شباط ومارس/آذار تقدموا بوعود إضافية بمنح جميع البدون رعاية صحية مجانية، وإمداد أطفالهم بالتعليم المدرسي المجاني، وبزيادة فرص العمل. إلا أن أي من هذه الوعود لم تتحول بعد إلى ممارسة تستند إلى كونها حقوق قانونية.