التمرد العالمي في2011.. نقطة تحول تاريخية.
روجر برباخ
ترجمه/ته الى العربية:
جيهان شعبان
المصدر: ثورة دايمة
احتجاجات “احتلوا وول ستريت” هي جزء من الحركة العالمية، التي تشكك في الهياكل الأساسية للنظام السياسي والاقتصادي إلى حد لم يسبق له مثيل منذ عام 1968. وعلى الرغم من أن نجاحها في تغيير هذه الهياكل غير أكيد، إلا أنها، كما يؤكد روجر برباخ، نجحت في إحداث تغيير أقوى بكثير ألا وهو: تحول عالمي في الوعي.
“إغلقها” ،”لا مزيد من عمليات شحن البضائع للـ1%” و “الموت للرأسمالية”، هكذا أعلنت بعض اللافتات عن شعاراتها، وأنا أنضم لآلاف المتظاهرين الذين تجمعوا في ميناء أوكلاند بعد ظهر يوم مشمس من أيام نوفمبر.
المدينة التي تقع على الساحل الغربي للولايات المتحدة هي جزء من الحركة العالمية، التي قد تغير شروط الجدل السياسي في الولايات المتحدة، وتسرق الكثير من الدوى من حركة حزب الشاي اليميني Tea Party ، وتهز الحكومات في جميع أنحاء العالم بطريقة لم يسبق لها مثيل منذ الستينات.
كانت البداية مع تونس والربيع العربي، ثم امتدت إلى إسبانيا وحركة إنديجنادوز Indignados، ثم إلى تشيلي مع تعبئة ضخمة للطلبة بهدف وضع حد للتعليم الذي يهدف إلى الربح، وإلى إنجلترا مع أعمال الشغب في المدن، وانتقلت إلى أثينا مع مظاهرات ضخمة ضد طغيان اليورو والأسواق المالية، ومن ثم إلى نيويورك مع حركة احتلوا وول ستريت.
هزت انتفاضتان مشابهتان مجرى التاريخ.
ثورات 1848 في أوروبا – والمعروفة باسم زمن ربيع الشعوب- التي تحدت الملوك والأرستقراطيين والمستبدين على حد سواء، على حد قول كارل ماركس وفردريك إنجلز في البيان الشيوعي.
انتشرت الاضطرابات والثورات في أكثر من 50 دولة ومات الآلاف بينما فرت أعداد لا تحصى خارج الحدود.
ثم بعد قرن وعقدين من الزمان، في عام 1968، هزت حركة غير منظمة واسعة العالم على عدة جبهات: هجوم التيت في فيتنام، حركة مناهضة الحرب العالمية، انتفاضة العمال والطلبة في باريس، ربيع براج في تشيكوسلوفاكيا، وأعمال الشغب في شيكاجو التي صاحبت مؤتمر الحزب الديمقراطي، والاحتجاجات الطلابية المكسيكية التي أدت إلى مجزرة ميدان تلاتيلولكو.
لم تنجح أيا من هذه الثورات التاريخية في الاستيلاء على السلطة، لكنها غيرت العالم بشكل جذري، تماما كما تفعل ثورة 2011 العظيمة.
كما هو الحال في 1968، تتسم انتفاضة اليوم بعدم التنظيم وتدعو لإجراء تغييرات جوهرية في النظام السياسي والاقتصادي العالمي.
لا يرى شباب المتظاهرين في ميدان التحرير في القاهرة ولا الشباب المخيمين في حديقة زوكوتي بنيويورك، مستقبلا في ظل الحكومات التي تحكم بلادهم، سواء كانت استبدادية أو ديمقراطية.
وكما كتب الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، جوزيف ستيجليتز، يقول: “وجد الاحتجاج الاجتماعي أرضا خصبة في كل مكان: ساد شعور بأن النظام قد فشل، وقناعة عامة بأنه حتى في ظل الديمقراطية لن تضع العملية الانتخابية الأمور في نصابها الصحيح- على الأقل ليس بدون ضغوط قوية من الشارع”.
يوجد شعور قوي من التضامن والتواصل بين هذه الحركات.
أعلن أحد أوائل المتظاهرين المخيمين في مدينة نيويورك صراحة أن حركتهم مستوحاة من الثورات في تونس ومصر. عندما هاجمت الشرطة حركة احتلوا أوكلاند في أواخر أكتوبر، أرسل المصريون بيانات الدعم وساروا إلى السفارة الأميركية في القاهرة مطالبين بوضع حد لعنف الشرطة في أوكلاند.
بعدها بأسابيع، أرسلت مجموعة من النشطاء السياسيين في القاهرة بنداء للمطالبة بدعم دولي ضد القمع العسكري المتنامي في بلادهم: “نحن ما زلنا نكافح من أجل ثورتنا. نحن نشارك في مسيرات، ونعتصم، ونضرب، ونغلق المنشآت، وأنتم تفعلون مثلنا. إننا نعلم من تدفق المساندة التي تلقيناها في يناير أن العالم يراقبنا عن كثب بل ويستلهم ثورتنا، وهو ما جعلنا نشعر أننا قريبون منكم أكثر من أي وقت مضى. والآن، حان دوركم لإلهامنا ونحن نراقب نضال حركتكم… إذا تم وأد مقاومتنا، فإن الـ1٪ سيفوزون في القاهرة، نيويورك، لندن، روما، وفي كل مكان. ولكن طالما تعيش الثورة في خيالنا ولا تعرف حدودا، سيظل في إمكاننا خلق عالم يستحق الحياة”.
شهد 15 أكتوبر تصاعدا عالميا للحركة. فكان العنوان الرئيسي لصحيفة الجارديان في لندن: “احتجاجات حركة احتلوا المناهضة للرأسمالية تنتشر في أنحاء العالم”.
احتشد عشرات الآلاف في مسيرات في لندن وفرانكفورت ومدريد وروما وسيدني وهونج كونج وتورنتو وسانتياجو وريو دي جانيرو وعشرات المدن الأخرى في جميع أنحاء العالم.
وعلى الرغم من أن المتظاهرين كانوا مسالمين إلى حد كبير، اتخذت الشرطة اجراءات صارمة في العديد من المدن وحدثت اشتباكات عنيفة خاصة في روما.
كتب على إحدى اللافتات في روما: “يا جماهير أوروبا انتفضوا”. وفي برلين دعت لافتات إلى وضع حد للرأسمالية واشتبك المتظاهرون في مدينة فرانكفورت مع الشرطة أمام البنك المركزي الأوروبي.
كانت هذه أكبر احتجاجات عالمية منذ التعبئة الدولية في فبراير 2003، التي حاولت منع إدارة بوش من شن الحرب على العراق. إلا أن حركة الاحتجاج اليوم، المدفوعة بالكساد العظيم الذي ألقى بالاقتصاد العالمي لهوة الأزمة، أعمق وأكثر مقاومة بكثير من حركة 2003.
ففي قلب الأزمة، تقف البنوك الدولية التي تم إنقاذها في حين فقد الملايين من الناس وظائفهم ومدخراتهم ومنازلهم وخبزهم.
فكما قالت ناؤومي وولف: “العدو عالمي، وهو “ديكتاتورية الشركات الكبرى” التي اشترت الحكومات والمجالس التشريعية، وأنشأت قواتها المسلحة الخاصة، وشاركت في جرائم الاحتيال الاقتصادي المنظم ونهبت الخزائن والنظم البيئية”.
في الوقت الذي تصمم فيه هذه الديكتاتورية على الحفاظ على قوتها وعلى امتيازاتها حتى مع التدقيق المتزايد.
في أوروبا، يجري فرض سياسات تقشف صارمة لإنقاذ اليورو، وهي سياسات من شأنها الحكم على أوروبا وجزء كبير من العالم بركود في النمو الاقتصادي سيستمر لسنوات قادمة.
في اليونان وإيطاليا، يتم إلقاء الديمقراطية جانبا ويتم تجنب الانتخابات باتهام التكنوقراط المدينين للبنوك الكبيرة بالوقوف وراء ذلك.
في أغلب الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ساد اعتقاد بأنه يمكن تصالح النزاع المتأصل بين “السوق الحرة” والديمقراطية؛ يمتنع الناخبون عن التدخل في الأسواق في مقابل معدل ثابت للتوظيف وللنمو الاقتصادي ولإمكانية الحصول على مجموعة متزايدة من السلع الاستهلاكية المتنوعة. الآن تم فض هذا الميثاق.
فالأسواق المالية تخرب أي بلد وحياة سكانها عندما يرفضون قبول التقشف أوانخفاض مستوى المعيشة. يجب دفع “الديون السيادية”، هكذا يصر مدراء البنوك والأسواق المالية.
في الواقع، أصبحت الديمقراطية تحت الحصار.
في الولايات المتحدة، وهي بلد الأيديولوجية واليسار لهما فيه إرث ضعيف ، يحصل الـ1% الأغنى على أكثر من 20% من الدخل القومي، بزيادة 9% عن ما كان عليه الأمر عندما تولى رونالد ريجان منصبه في عام 1981. ولعل الرقم الأكثر تعبيرا عن هذا الوضع هو أن عُشر الـ1% الذين يحتلون القمة يكسب مثل ما يكسبه 120 مليون فرد ممن يستقرون في القاع.
هذا هو السبب في أن شعارات “احتلال وول ستريت” و”نحن الـ99 ٪” أسرت مخيلة الناس في جميع أنحاء الولايات المتحدة عندما دقت أول خيمة في حديقة زوكوتي في مدينة نيويورك.
تكمن عبقرية الحركة في رفضها لتقييد نفسها بمجموعة معينة من المطالب. فالمظالم شديدة الاتساع؛ عدم وجود فرص عمل، وتوزيع غير متكافئ للدخل، انخفاض في فرص التعليم، وافتقار إلى سكن في متناول اليد، ارتفاع تكلفة الرعاية الطبية، تمويل الشركات للانتخابات.. يجب إعادة النظر في النظام بشكل كامل.
لا يمكن أن تؤدي اعتداءات الشرطة ضد اعتصامات الميادين لإخماد الحركة. لإنها ببساطة ستطفو على السطح بطرق أخرى، وأشكال أخرى. كما ذكر بيان لحركة احتلوا وول ستريت، كتب بعد فض أحد الاعتصامات: “لا يمكنك فض فكرة حان وقتها”.
نحن في حقبة متقلبة ولا يمكن التنبوء بشأنها. ما نعرفه هو أن احتجاجات 2011 العظيمة تمثل نقطة تحول في التاريخ بوصفها حركة جماهيرية عالمية تتحدى القوى الاقتصادية والسياسية التي تنهب عالمنا.
* روجر برباخ هو مدير مركز دراسات الأمريكتين (CENSA) ومقرها في بيركلي، كاليفورنيا. وهو يعمل على تأليف كتاب جديد مع مايكل فوكس وفوينتيس فريد لدار كتب زيد؛ “ نهاية هيمنة الولايات المتحدة والاشتراكية (كما نعرفها): الحركات الاجتماعية وقادة اليسار في بوليفيا والبرازيل والاكوادور وفنزويلا”.
منقول عن موقع "المنشور" تاريخ12\1\2012.