February 2013
14

الطليعة: انطلاق قطار الخصخصة في الكويت مخطط بيع الشركات والمؤسسات الحكومية يستهدف نهب البلاد و المال العام.

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

تعاني الكويت، ومنذ قديم الأزل، مشكلات اقتصادية مزمنة، على رأسها عدم استيعاب العمالة الوطنية، والخوف المستمر من نضوب النفط، وعدم تنويع مصادر الدخل. ومع هذه المشكلات طرحت خلال الفترات الماضية العديد من الحلول، على رأسها خصخصة بعض القطاعات في الدولة. وفي حين لاقى هذا الحل قبولا من قِبل شريحة معينة في المجتمع الكويتي، كان هناك استجهان لقطاعات عريضة من المجتمع لهذا الحل، مؤكدين انه نهب لثروات البلاد، وتكرار لتجارب دول اخرى فشلت فشلا ذريعا في هذا الأمر.

ونحن في هذا المقام لسنا من المطالبين بــ«الخصخصة» أو الرافضين لها، فنحن معها إذا كانت ستفيد الاقتصاد الوطني، وضدها إذا كانت ستضر بالوطن، وتحوَّلت إلى عمليات ممنهجه لنهب ثروات البلاد، والعبث بمقدرات الدولة، لخدمة أجندات واشخاص بعينهم، وضياع أصول الدولة بأبخس الاثمان، وحقوق العمالة الوطنية، مثلما حدث في دول عربية.. لذلك، سينصب اهتمامنا في هذا المقام على القاء الضوء على بعض مزايا الخصخصة وعيوبها في الوقت ذاته، وسرد بعض الأمثلة التي حدثت في دول قريبة منا، لعلنا نجد ضالتنا في هذه السطور، ونصل إلى ما يمكن الاستفادة منه على أرض الكويت، وخصوصا مع انطلاق قطار الخصخصة فعلا، بعد اقرار مرسوم خصصخة شركة الخطوط الجوية الكويتية (الكويتية)، ليكون سوق الكويت للأوراق المالية المحطة التالية، ثم خصخصة عدد من المؤسسات الحكومية.

نهب مقدرات الوطن

بما أن قانون الخصخصة أصبح واقعا ملموسا، لذا، فإنه من المؤكد أن الحكومة ستتجه نحو الخصخصة في قطاعات كثيرة، منها الكهرباء والماء والمواصلات.. وغيرها من القطاعات الأخرى، فقرار الخصخصة اتخذ بالفعل، وما علينا إلا التنفيذ.

ولكننا نتساءل عن ماهية المكاسب المتأتية من تلك الخصخصة، والتي نعرف مقدماً أنها ليست مجدية في كل المجالات بالضرورة، فالتحوُّل إلى الخصخصة والهرولة اليها من دون الدراسات الكافية سيغرقنا في بحر من الفساد، مع العلم بأن الخصخصة في جوهرها قد تقود إلى تنمية اقتصادية، وتفتح مجالات وأسواق جديدة، فالهدف قد يكون نبيلا، ولكن «المعضلة» في التنفيذ، في ظل وجود أطماع لنهب مقدرات الوطن واستغلال خصخصة هذه المؤسسات، لتكتب صفحة جديدة سيئة في عمر اقتصادنا الوطني، وتضاف تجربة مريرة إلى تجاربه المؤسفة.

ومن هنا، كانت التحذيرات التي أطلقتها العديد من الجهات والاقتصاديين بخطورة الأمر، فخصخصة قطاعات حيوية، مثل قطاع الكهرباء والماء، تشوبها العديد من المخاطر، منها احتكار تلك الخدمات، ورفع أسعارها، ما يشكل عبئا خطيرا على كاهل المواطن، وخصوصا في ظل عدم اقرار قوانين اقتصادية مهمة، مثل قوانين منع الاحتكار، وحماية المستهلك.. وغيرها من القوانين التى تضمن وصول سلعة جيدة إلى المواطن وبسعر جيد، علاوة على ضياع حقوق الموظفين والعاملين في تلك القطاعات.

فالتوجه نحو خصخصة قطاع الكهرباء والماء من دون إعادة هيكلته وتوفير المناخ المناسب سوف يحدث مشاكل اجتماعية كبيرة، وخصوصا ان هذه الخدمات تعد قضية حياة أو موت لمجتمع مثل المجتمع الكويتي، الذي لا يمكنه بأي حال من الأحوال الاستغناء عن الكهرباء والماء لعدة ساعات، فخصخصة هذه الخدمات من دون اقرار القوانين التي تحمي المواطن، أو المستهلك، أو الموظف ستجعل الجميع فريسة للقطاع الخاص، الذي يسعى دائما إلى الربح المادي، ولا ينظر من قريب او بعيد إلى النواحي الاجتماعية.

أبواق مضللة

وقد استغل كثير ممن يخططون للسيطرة على مقدرات الدولة وثرواتها الكثير من الأبواق التي تروج، ليلا نهارا، لفكرة أن الخصخصة تشجع القطاع الخاص، للاضطلاع بدوره الاقتصادي الرائد والفاعل، كما هو حادث في الكثير من دول العالم، وهذا كلام غير دقيق، فأين هذا الدور الرائد لهذا القطاع الخاص منذ سنوات؟ إن القطاع الخاص في الكويت اعتاد، منذ نشأته، على الاعتماد على الحكومة، وقد سقط هذا القطاع خلال الأزمة المالية العالمية سقوطا مدويا، وانكشفت «عورته»، ولم يستطع حتى الآن النهوض من كبوته، ولولا تدخل الحكومة ودعمها للقطاع الخاص من المال العام، لحدثت كارثة في هذا القطاع، فالقطاع الخاص في الكويت تعود على استباحة المال العام، وحتى هذه اللحظة غير قادر على تحمُّل أخطائه، بل كلما تعثر يصرخ طالبا المساندة من الدولة بمزيد من المال العام، فهل هذا القطاع، وعلى هذه الصورة، قادر على القيام بدور رائد وتحمُّل مسؤولية ادارة مرافق حيوية في الدولة؟

ولكن بما أن قرار الخصخصة معد مسبقا، ولا تراجع فيه، حتى لو كانت النتائج كارثية بكل المقاييس، فقد أغمض الجميع أعينهم، وبدأت الكويت تخطو أولى الخطوات على الدرب نفسه الذي سلكته دول اخرى، والتوجه نحو خصخصة كل شيء، حتى أن التقرير الذي أعدته اللجنة الاستشارية الاقتصادية، والذي نشر في أكثر من صحيفة محلية في 10 يناير من العام الماضي طالب بـــ «تقليص هيمنة الدولة على الاقتصاد، بخصخصة مشروعات الكهرباء والماء واتصالات ومواصلات ونفط وبريد وهاتف وصرف صحي وإسكان وأسواق مال، وخصخصخة «الكويتية»، وإطلاق مشروعات التخزين، بالإضافة إلى خصخصة إدارات المستشفيات ومدارس، وغيرها من الخدمات الصحية والتعليمية»، وكأن التقرير يطالب بتقاعد الدولة، وترك المواطنين فريسة للقطاع الخاص وأطماعه وتقلباته، وكان ينقص التقرير أيضا أن يطالب بتحويل عوائد تصدير النفط كافة إلى القطاع الخاص، فهو الذي سيقوم بكل الأنشطة السابقة الذكر، فإذا ما تمت خصخصة الأنشطة السابقة الذكر، إذا ما الذي يعطي الحكومة الحق في الاستمرار في تحصيل عوائد النفط، ما دام القطاع الخاص سيقوم بجميع الخدمات التي كانت الحكومة تؤديها.

دعوة للسيطرة

إن الأمر واضح وضوح الشمس، فهذه دعوة صريحة لسيطرة متنفذين على الدولة، وتحويل العوائد التي تتحصل عليها الدولة من بيع النفط إلى جيوب هؤلاء، وفي الوقت نفسه وضع الكويت تحت رحمة جهات واشخاص بعينهم، سواء كانوا من داخل الكويت أو من خارجها، بل ذهب التقرير إلى ابعد من ذلك، مطالبا بـ«تطوير برامج التسعير والرسوم على السلع والخدمات، ووضع نظام ضريبي متطور على مراحل زمنية تواكب الخصخصة وإعادة هيكلة الاقتصاد، مع مراعاة الضرائب لأصحاب المداخيل المتدنية، وإطلاق تطبيق ضريبة المبيعات على السلع غير الضرورية والفاخرة».. وهذا الأمر إن تم سيضع غالبية الشعب الكويتي، إن لم يكن كله، تحت خط الفقر، فمع التسعير الجديد سترتفع اسعار الخدمات جميعها، كالكهرباء والماء والتعليم والصحة والاتصالات والمواصلات والنفط بنسب تصل إلى 500 في المائة، وقد تصل إلى اعلى من ذلك بكثير في بعض الخدمات، ومع هذه الارتفاعات، هل سيكفي دخل المواطن؟ وإذا علمنا أن القطاع الحكومي يضم نحو 95 في المائة من العاملين، وإذا تقاعدت الحكومة وتركت الأمر للقطاع الخاص، فلن يكون هذا القطاع مجبراً على توظيف هذا العدد من الموظفين، بل سيستغني عن أكثر من 50 في المائة من هذا العدد، وستكون البطالة نصيب الآلاف من المواطنين، وحال حدوث أي أزمة، فإنه سيتم الاستغناء عن المواطنين ويتم استبدالهم بعمالة مستوردة ورخيصة، ولنا في مشكلة العمالة الوطنية التي تم الاستغناء عنها من القطاع الخاص في اعقاب الازمة المالية في 2008، عندما سقطت الكثير من شركات القطاع الخاص المثل والعبرة.

فالمؤكد ان القطاع الخاص الكويتي لم يصل بعد إلى مرحلة النضج، والترويج لأهمية دور هذا القطاع في التنمية، ودوره في تطوير واستيعاب الثروة البشرية المتاحة، ليس في محله فأصحاب هذا القطاع، في أول عثرة تعرضوا لها، قاموا بإنهاء خدمات الآلاف من المواطنين، وكان كل ما يهم اصحاب هذه الشركات تحقيق الأرباح من دون اي اعتبارات للمسؤولية الاجتماعية.

الرأسمالية المفزعة

من الواضح اننا في الكويت نسير دائما عكس عقارب الساعة، ففي الوقت الذي بدأ فيه العالم أجمع يصرخ من بطش الرأسمالية وظلمها وفشلها عقب الازمة المالية العالمية، نجد المطالبات تزداد في الكويت بالخصخصة والتحول نحو الرأسمالية، فقد اجتاحت العالم خلال العام الماضي موجة احتجاجات شعبية عارمة، رافضة لهيمنة القلة الرأسمالية على مقدرات الدول، والتي اندلعت شرارتها الأولى في نيويورك، وانطلقت تحت عنوان «احتلوا وول ستريت»، لتمدد موجة الاحتجاجات بعد ذلك إلى العديد من المدن والعواصم الأوروبية والآسيوية، وتتحول إلى ظاهرة تقض مضاجع النظام الرأسمالي، وقد تبنت العديد من المنظمات العالمية هذا المد المتصاعد من الرفض الشعبي، ورأت فيه ثورة جماهيرية تقول «كفاية» للمتحكمين بمصائر الـ 99 في المائة من شعب كل دولة، وحان وقت تغيير المسار، كما ان ثورات الربيع العربي كان القاسم المشترك فيها العدالة الاجتماعية ورفض سيطرة قلة على مقدرات البلاد، فهذه الشعوب رفضت هيمنة اشخاص معدودين على مقدرات البلاد، وكانت الرسالة التي ارادت ان توصلها الاحتجاجات في مختلف دول العالم واضحة وصريحة، فهي جاءت لتعبر عن حالة الرفض لجشع الشركات وللرأسمالية، وقد توحد المحتجون في مشاعر الإحباط من الفجوة الواسعة بين الأغنياء والفقراء.

قانون الخصخصة غير جاذبقالت مجلة «ميد» إن قانون الخصخصة الكويتي لن يكون على الارجح جاذبا للشركات العالمية والمستثمرين الاجانب، لافتة إلى انه على الرغم من ان خصخصة مؤسسات الدولة والحصول على الخدمات من خلال الشركات الخاصة يعد من صميم الخطط التنموية الاقتصادية الخمسية، فإن كبار المسؤولين في البنوك والمؤسسات المالية والقانونية متشككون إزاء درجة الاهتمام التي سيثيرها برنامج الخصخصة لدى المستثمرين الاجانب، وعزوا ذلك إلى سلسلة من الشروط التي يحتويها القانون، والتي قد تجهض جهود المستثمرين الاجانب.

منقول عن جريدة الطليعة تاريخ ١٣\٠٢\٢٠١٣ العدد:١٩٨٢