December 2015
9

«الطليعة» ليست مجرد صحيفة..

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بغض النظر عن تفاصيل القضية التي نظرتها المحاكم لتصفية شركة «الطليعة» للصحافة والطباعة والنشر، وما أحاطت بها من ملابسات ليس هذا مجال تناولها، فإن إيقاف إصدار صحيفة «الطليعة» الأسبوعية بعد أكثر من ثلاثة وخمسين عاماً على بدء صدورها يحمل في طياته دلالات كبيرة تتجاوز حدود إيقاف صحيفة أسبوعية عن الصدور، ذلك أن «الطليعة» لم تكن مجرد صحيفة أسبوعية، وإنما جزء من تاريخ الكويت السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإعلامي، وأزيد من دون ادعاء أو مبالغة أن «الطليعة» لم تكن مجرد شاهد على هذا التاريخ يوثق أحداثه، بل كانت في حقيقة الأمر صانعاً لجزء من تاريخ الكويت وعنصراً مؤثراً في تطوره.

كانت «الطليعة» لسان حال الحركة الوطنية والديمقراطية الكويتية، وعلى نحو أدق كانت أحد أهم مراكز تجمعات هذه الحركة لعقود طويلة، خصوصاً في عقدي الستينات والسبعينات، شأنها في ذلك شأن نادي الاستقلال، الذي عطلته السلطة بعد انقلابها الأول على الدستور في أواسط سبعينات القرن العشرين.. وبالطبع لم تسلم «الطليعة» من التعطيل الإداري المتكرر، وأحياناً بأحكام قضائية، ولكنها استمرت وواصلت دورها لأكثر من نصف قرن من الزمان بكل تقلباته وتناقضاته وصراعاته.

لقد كان لـ «الطليعة» دورها المشهود في قضية رفض اتفاقية تنفيق العائدات المجحفة، مثلما حاولت شركات النفط الأجنبية فرضها على الكويت، ونجحت «الطليعة» في تعبئة الرأي العام ضدها، عبر حملتها الإعلامية الشهيرة التي عنونتها بجزء من بيت الشعر العربي «يا أمة ضحكت»، ما ساهم في تعزيز معارضة مجلس الأمة لتلك الاتفاقية، وحصول الكويت، وتاليا الدول المنتجة للنفط، على مزايا أفضل.

وكذلك كان لـ«الطليعة» مساهمتها البارزة في معركة رفض اتفاقية المشاركة النفطية مع الشركات الأجنبية في النصف الأول من سبعينيات القرن العشرين؛ وكان فارسها بل فارس الكويت في تلك المعركة الأخ الكبير الأستاذ عبدالله النيباري، وصولاً إلى تأميم شركات النفط الأجنبية والسيطرة الوطنية على القطاع النفطي، وهو الإنجاز الكبير الذي تحقق عام 1975.

كما ساهمت «الطليعة» في تسليط الضوء مبكراً على فضائح الفساد واستغلال النفوذ، بدءاً من قضايا الاستيلاء على أملاك الدولة، مروراً بالفساد الإداري والمالي، وصولاً إلى التصدي لقضايا الفساد الكبرى التي برزت في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات.

وقادت «الطليعة» معركة الدفاع عن الديمقراطية بدءاً من تصديها لترسانة القوانين المقيدة للحريات التي فرضتها السلطة، بالتعاون مع الغالبية النيابية الموالية لها في مجلس الأمة الأول، وأدت إلى استقالة نواب المعارضة الثمانية، مروراً بالتصدي لتزوير انتخابات مجلس الأمة الثاني في 25 يناير 1967، وصولاً إلى التصدي للانقلاب الأول على الدستور عام 1976، حيث كان لـ»الطليعة» دور كبير دفعت ثمنه غالياً بتعطيلها إدارياً أكثر من مرة عبر سلاح المادة 35 مكرر من قانون المطبوعات والنشر، بعد ذلك برزت برفضها الانقلاب الثاني على الدستور عام 1986، ومحاولتها التعبير عن ذلك الموقف بهذا الشكل أو ذاك على الرغم من الرقابة الحكومية المسبقة على الصحف.

وكانت «الطليعة» اللسان المعبّر عن هموم الطبقة العاملة والفئات الشعبية، والداعم الأول للحركة النقابية العمالية الكويتية عند انطلاقتها في أواسط ستينات القرن العشرين عبر صفحتها العمالية، كما كان لها دور في إبراز الحركة الطلابية الكويتية ممثلة في الاتحاد الوطني لطلبة الكويت، والاتحاد المحلي لطلبة الكويت في المرحلة الثانوية، اللذين أنشأهما طلبة الحركة الوطنية الكويتية.

وفي عام 1970 قامت «الطليعة» بتصحيح موقفها القومي المتعصب تجاه قضية الكويتيين من أصول فارسية، وفتحت باب المناقشة على صفحاتها حول هذه القضية، حيث دارت حوارات غنية ساهم فيها عدد من الكتّاب الكويتيين والخليجيين من اتجاهات مختلفة.

وحملت «الطليعة» لواء القضية القومية سواء قضية فلسطين ومقاومة الاحتلال الصهيوني أو قضية الوحدة العربية، ودعمت حركات التحرر الثورية في جنوبي اليمن وفي ظفار وكذلك في إريتريا، بل لعل ما نشرته «الطليعة» عن هذه القضايا والحركات التحررية يمثّل أهم المراجع لأي دارس أو باحث لها.

وقد تصدت «الطليعة» بقوة لما كانت تخطط له الدوائر الإمبريالية والصهيونية والرجعية في صراعها مع القوى التقدمية والتحررية في العالم وفي منطقتنا العربية، وكانت «الطليعة» في صدارة القوى الرافضة للاستسلام ومهادنة العدو الصهيوني ومخططات التطبيع.

وفي مرحلة ما بعد التحرير كانت «الطليعة» منبراً وطنياً ديمقراطياً من أجل محاسبة المسؤولين المقصرين والمتهاونين بدورهم في كارثة الغزو والاحتلال، وكذلك من أجل الإصلاح السياسي الديمقراطي المتصلة بفصل ولاية العهد عن رئاسة مجلس الوزراء، وإصلاح النظام الانتخابي، والإقرار بالحقوق السياسية للمرأة.

كما تصدت «الطليعة» عبر تاريخها الممتد لأكثر من نصف قرن بوضوح للقوى الرجعية المتسترة وراء الدين، وكشفت الارتباطات المشبوهة لبعض هذه القوى بالدوائر الإمبريالية والأنظمة الحاكمة في المنطقة.

لقد كانت «الطليعة» عبر تاريخها صوت الشعب الكويتي وصوت التقدم والديمقراطية.. وبالطبع كان لها نواقصها وأخطاؤها، لكن هذه النواقص والأخطاء كانت الاستثناء العابر، بينما كان تمسكها بخطها الوطني والديمقراطي هو الأساس الثابت والسمة الغالبة لمسيرتها.

وبالتأكيد فإن توقف «الطليعة» عن الصدور سيترك فراغاً كبيراً يتجاوز حدود غيابها كصحيفة.

بقلم الزميل أحمد الديين

جريدة الطليعة

9 ديسمبر 2015