December 2013
16

الرهان على حصان خاسر

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

راهن العديد من اليساريين والتقدميين وخاصة العرب على فوز الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، الذي وصل بدعم تحالف الأحزاب اليسارية والعمالية في فرنسا حيث كان شعاره الانتخابي «رأس المال هو العدو»، لكنه منذ المئة يوم الأولى من حكمه بدأ يظهر وجهه الرأسمالي القبيح من خلال دعم كبار المضاربين وعدم الإيفاء بوعوده للأحزاب التي دعمته، ببرامج للقضاء على البطالة وجميع المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشعب الفرنسي وبالأخص العمال والكادحون ومحدودو الدخل.ولم يكتف بذلك بل إن انعطافه نحو التوجه الحقيقي للاشتراكية الديموقراطية ذات الشواهد المعروفة عنها في خيانة الطبقة العاملة أوصل فرنسا إلى الأسوأ باتجاهات اليمين المتطرف واشتداد المخاطر على الديموقراطية والدخول في أزمات عميقة.فقد تخلت فرنسا تحت حكمه عن استقلاليتها خاصة بالنسبة للشرق الأوسط، لتلعب دور الجندي بدل أن تكون داعية سلام وحوار بين الشعوب، والزيارة التي قام بها فرانسوا هولاند أخيراً إلى إسرائيل «طاولت عدم اللياقة والنفاق»، كما جاء في بيان الحزب الشيوعي الفرنسي.ورغم دفاع الليبراليين عن الاشتراكية الديموقراطية والليبرالية الاجتماعية باعتبارها تختلف عن الرأسمالية المتوحشة أو النيوليبرالية، إلا أن توجهات هولاند تعطي دفعاً جديداً للأسواق وتتراجع أمام المصارف والشركات المالية، وتنحني لإملاءات المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فاليمين اليوم يدافع عن مصالحه عبر الدفع باتجاه جعل العامل يحمل راية أرباب العمل وجعل الموظف المسرّح من العمل يدافع عن رب العمل الذي سرّحه، وقد ازدادت ثروات العائلات الخمسمئة الأكثر غنى بنسبة 25 في المئة خلال السنوات القليلة الماضية، وارتفعت أرباح الشركات المالية بنسب جنونية على حساب حصة الأجور وعلى حساب التغطية الاجتماعية، وهو ما أدخل فرنسا بأزمات اقتصادية واجتماعية وغضب جماهيري واسع.لقد تحول العديد من التقدميين في العالم وفي الدول العربية إلى الاشتراكية الديموقراطية وفكرها الليبرالي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، تحت أوهام أنها الحل لكن الزمن أثبت أن الاشتراكية العلمية هي الحل، وأن الاشتراكية الديموقراطية وفكرها الليبرالي الاجتماعي مهما حاولت تلميع صورتها أمام الطبقة العاملة والجماهير الشعبية الكادحة أو قدمت وعوداً كاذبة بالوقوف في وجه اليمين والتوجه الاقتصادي النيوليبرالي الذي سبب كل هذه الأزمات، إلا أنها تثبت دائماً وبالتجربة أنها وفيّة لتوجهاتها الرأسمالية أكثر بكثير من توجهاتها بل ادعاءاتها بالاشتراكية.ولذا فإن الحزب الشيوعي الفرنسي الذي كان الداعم الأكبر لهولاند أثناء انتخابات الرئاسة بعدما قطع له وعداً بمناصرة الفقراء والعمال والمهمشين والقضاء على المشكلات الاجتماعية والوقوف في وجه اليمين المتطرف، دعا الحزب الشيوعي ومعه جبهة اليسار إلى التغيير الجذري في السياسات المتبعة على الصعيد الوطني والأوروبي والعالمي.وقد تنامت البطالة بين الفرنسيين في عهد هولاند حتى بلغت أكثر من خمسة ملايين عاطل، كما أن الحكومة الفرنسية تتبع سياسات ضرائبية غير عادلة، وهذا لا يؤدي إلا لتحركات وتظاهرات واحتجاجات شعبية، ففرنسا لا تمر فقط بأزمة اقتصادية عابرة على غرار ما حصل في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، ولكنها تعيش الثورة الرقمية واختفاء العديد من الصناعات والعولمة، وتعبر مرحلة من الركود الاقتصادي والبطالة والتأقلم مع العالم الجديد، وهذا سيؤدي إلى انفجار اجتماعي كبير جراء هذا الوضع الاقتصادي الخطير.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com

_______________________________________________

منقول عن جريدة الراي تاريخ 16/12/2013 العدد:12586