July 2013
30

النهج الاقتصادي الاجتماعي للدستور يتعارض مع النظام الرأسمالي.

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

المفارقة أنّه على الرغم من أنّ هناك عدداً ليس قليلاً من التجار من بين أعضاء المجلس التأسيسي في العام 1962، ألا أنّنا نجد أنّ تأثيرات المدّ التحرري وانتشار الأفكار الاشتراكية في بداية ستينيات القرن العشرين تركت بصماتها على النهج الاقتصادي الاجتماعي الذي تمّ تبينه في الدستور في الموقف تجاه النظام الرأسمالي وما يسمى "نظام الاقتصاد الحر".

فعندما نعود إلى محضر الجلسة 19 للمجلس الـتأسيسي المنعقدة يوم الثلاثاء 11 سبتمبر من العام 1962، نجد أنّ وزير الصحة عضو المجلس التأسيسي عبدالعزيز الصقر قد طلب من الخبير الدستوري للمجلس تحديد طبيعة النظام الاقتصادي للدولة، قائلاً: "هل النظام الاقتصادي لدولة الكويت الذي ستنتهجه اشتراكي أو رأسمالي أم موجّه أم حر؟"... فرد الخبير الدستوري للمجلس التأسيسي الدكتور عثمان خليل عثمان: "إنّ النصوص تؤيد الملكية الفردية وهذا يعني أنّ المالك حر في التملك، ولكن ليس ذلك على حساب المصلحة العامة،، بل يمكن للدولة أن تضع نصوصا وحدودا في شأن الملكية الفردية، فإذن المراد هو أن نأخذ بالاشتراكية المعتدلة، وهذا هو موقفنا بين القوى المتصارعة حاليا في العالم الشرقية والغربية"... فأعاد عبدالعزيز الصقر سؤاله: "أنا أريد أن أعرف ما هو نظامنا الاقتصادي في الأنظمة الموجودة في العالم، وأين هو طريقنا في النظام الاقتصادي، هل هو نظام حر أم نظام موجّه؟"... فأوضح الخبير الدستوري للمجلس التأسيسي: "الحرية تتنافى في نظر الكثيرين مع التوجيه لتنافر الكلمتين، ولكن يمكن التوفيق بينهما، بمعني أن الحرية ليست مطلقة فهي تقبل التوجيه والتدخل من جانب الدولة ككل حرية لها من الضوابط ما يجعلها لا تمس المصلحة العامة. وما نريده بهذا أنّ الفرد حر في التملك. إنّ الملكية الفردية مصونة ولكن كلا الأمرين يخضع لتوجيه الدولة، وعليه فاقتصادنا حر ولكنه خاضع لتوجيهات الدولة"... ورداً على سؤال محدد من عبدالعزيز الصقر: "هل يكون الاقتصاد موجها فقط أو أنّ الدولة تتدخل في نطاق واسع؟" أجاب الخبير الدستوري قائلاً: "الاقتصاد مشترك بين النشاط الحر والنشاط العام"... وطلب بعض الأعضاء تأجيل مناقشة المادة بانتظار المذكرة التفسيرية للدستور، فعلّق رئيس المجلس التأسيسي عبداللطيف محمد ثنيان الغانم قائلاً: إنّ التفسيرات، التي أتى بها الخبير واضحة، وتم الاتفاق على تأجيل المناقشة إلى جلسة لاحقة، حيث استؤنفت المناقشة في الجلسة 26 للمجلس التأسيسي المنعقدة يوم السبت 3 نوفمبر من العام 1962، ووفقا لمحضرها فقد سأل عضو المجلس التأسيسي سليمان الحداد عن تفسير المادة 20 من المذكرة التفسيرية "هل نفهم من هذه المادة أنّ الدولة تتبع نظاما اقتصادياً معيناً؟"، فأجاب الخبير الدستوري للمجلس: "قلنا أنّ النظام الاقتصادي هو عبارة عن نظام اقتصادي يقوم على أساس احترام الملكية الفردية مع جعل هذه الملكية متفقة مع مقتضيات الحياة الاجتماعية، ويعتبر هذا وضعا اقتصاديا وسطا بين الاشتراكية المتطرفة وبين الرأسمالية المتطرفة فهو تعبير عما نسميه بالاشتراكية المعتدلة، فهذا هو المكان الوسط، الذي رأت لجنة الدستور أنّه خير الأمور الوسط ولذلك تخيرته دون أحد المظهرين المتطرفين"... فتساءل العضو سليمان الحداد عما إذا كانت الاشتراكية المعتدلة تتنافى مع الاقتصاد الحر، فأوضح الخبير الدستوري أنّه "اقتصاد حر ولكنه موجّه أو مدار بمعنى أنّه إلى جانب النشاط الحر يوجد إشراف الدولة ورقابتها والنشاط العام..." فأيّد العضو الحداد توضيح الخبير وقال: هذا ما أقصد إليه أن يسجل أنّ الاقتصاد في الكويت اقتصاد حر موجّه... وأثنى وزير الصحة عضو المجلس التأسيسي عبدالعزيز الصقر على إدخال كلمة "العادل" في تحديد طبيعة العلاقة بين القطاع العام والقطاع الخاص مطالبا بتوضيح أكثر لتفادي طغيان قطاع على أخر، وقدّم اقتراحا بهذا الشأن، فأكّد الخبير الدستوري أنّ لجنة الدستور توصلت إلى هذا الاستنتاج عندما وضعت كلمة "العادل" حيث كانت تقصد "ألا يطغى النشاط العام على النشاط الخاص ولا يطغى النشاط الخاص على النشاط العام، فما يقصده الوزير هو فعلا الذي قصدته اللجنة وهو المسجّل في المذكرة التفسيرية ونحن متفقون تماما على ذلك"... وبذلك انتهت المناقشة في المجلس التأسيسي إلى ما انتهت إليه من وصف لنظامنا الاقتصادي كاقتصاد حر موجّه وليس اقتصادا رأسماليا حرا أو متطرفا، بل لقد أُشير أكثر من مرة في محاضر المجلس التأسيسي إلى أنّه أقرب إلى الاشتراكية المعتدلة ونظام وسط بين الاشتراكية المتطرفة والرأسمالية المتطرفة.

ونجد بعض ملامح هذا النهج الاقتصادي الاجتماعي في بعض التوجهات والضمانات الواردة في الدستور، ومن بينها:

1- حماية المواطنين من التسلط الاقتصادي الرأسمالي، مثل:

- التأكيد على التعاون العادل بين القطاعين العام والخاص في الاقتصاد، بما يعني عدم إمكان التصفية النهائية للقطاع العام عبر الخصخصة، كما في المادة 20.

- التأكيد على الوظيفة الاجتماعية للملكية ورأس المال وعدم التعامل معهما كحقّ مطلق كما في المادة 16.

- حرمة تملك الثروات الطبيعية، كما في المادة 21 من الدستور.

- حماية المستأجرين والعمال كما في المادة 22.

- النص على أنّ الاقتصاد الوطني أساسه العدالة الاجتماعية في المادة 20 من الدستور، وأنّ العدالة الاجتماعية أساس الضرائب وفق المادة 24.

2- حماية الفئات المهمشة اقتصادياً: مثل تحريم العمل بالسخرة في المادتين 41 و42، وإعفاء الدخول الصغيرة من الضرائب في المادة 48، ومجانية التعليم في المادتين 13 و40، وتوفير الخدمات الصحية في المادة 15، وكفالة الدولة المواطنين وتقديم المعونة في حالات الشيخوخة والمرض والعجز عن العمل والتأمين الاجتماعي كما في المادة 11، وتقرير الضمان الاجتماعي في حالات الكوارث والمحن العامة والحروب كما في المادة 25.

_____________________________________________________

منقول من كتيب "دستور 1962 في الميزان الديمقراطي"