June 2016
12

الليبرالية الجديدة: نقد ذاتي

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

نشرت مجلة التمويل والتنمية Finance & Development الفصلية الصادرة عن صندوق النقد الدولي مقالا مميزا في عدد يونيو 2016، يمكن لنا في الكويت وباقي دول مجلس التعاون الاستفادة منه للتخفيف من حدة اندفاعنا نحو تطبيق حزمة ضيقة من السياسات الاقتصادية المثيرة للجدل، بدعوى معالجة الازمة الاقتصادية التي تعمقت مع انخفاض اسعار النفط، رغم ان السياسات الاقتصادية المقترحة قد تزيد الطين بلة.نُشر المقال المذكور اعلاه تحت عنوان Neoliberalism Oversold، حيث يتساءل عما اذا كانت هناك مبالغة في تبني مجموعة السياسات الاقتصادية المعروفة بالليبرالية الجديدة او النيوليبرالية، التي تدعو على مستوى الاقتصاد العالمي لرفع الضوابط عن التجارة الدولية، وعن تنقل رؤوس الاموال، وعلى مستوى الاقتصاد الوطني تدعم الخصخصة، وتقليص انفاق الحكومة الاجتماعي، وتعارض نقابات العمال، من بين مجموعة سياسات اخرى.المميز في المقال المذكور اعلاه ان كتابة ثلاثة من قسم الابحاث في صندوق النقد الدولي IMF، وهو احدى اشرس المؤسسات الاقتصادية على مستوى العالم في تطبيق السياسات الليبرالية الجديدة، حيث يستغل صندوق النقد عادة مرور الدول في ازمات اقتصادية ليقرضها اموالا للإنقاذ، لكن بشرط تطبيق سياسات ليبرالية جديدة، ومن الامثلة على ذلك السياسات الاقتصادية التي فرضت على اليونان منذ عام 2010، رغم المعارضة الشعبية الواسعة، وقبلها التوجهات الاقتصادية العامة في عهدي السادات ومبارك في مصر، وعهد بن علي في تونس، من بين امثلة عديدة حول العالم.ويركز المقال المذكور على تقييم سياستين من سياسات الليبرالية الجديدة، اولهما سياسة رفع الضوابط عن تنقل رؤوس الاموال عبر الدول، اي في لغة الاقتصاد الكلي رفع الضوابط عن الحساب الرأسمالي، وثانيهما سياسة التقشف، اي اعطاء اولوية كبيرة لخفض العجز في ميزانية الحكومة والدين العام على المدى القصير عبر خفض نفقات الحكومة والخصخصة من بين ادوات اخرى.ويخلص المقال الى ثلاث نتائج مهمة: أولاً انه يصعب تحديد فائدة هاتين السياستين من حيث دعم النمو الاقتصادي، وثانياً ان السياستين تزيدان التفاوت الطبيقي، وثالثاً ان التفاوت الطبقي يُضعف مستوى النمو الاقتصادي واستدامته.ومن الادلة التي يسوقها المقال على مخاطر الليبرالية الجديدة انه من بين نحو 150 حالة من التدفق الكبير لرأس المال الاجنبي نحو 50 اقتصاداً ناشئاً بين العامين 1980 – 2014 فإن نحو %20 من هذه الحالات تنتهي بأزمة مالية، وهو ما يدفع كاتبي المقال للاستشهاد بالاقتصادي داني رودريك، من جامعة هارفارد الاميركية، والذي يعتبر ان هذه الازمات المالية يجب ان تقع في صلب تقييمنا لجدوى سياسة رفع الضوابط عن تدفقات رؤوس الاموال دولياً لا ان نعتبرها مجرد اعراض جانبية.كما انه وبالمتوسط فإن خفض عجز الموازنة العامة بنحو %1 قياساً على الناتج المحلي الاجمالي يرفع معدل البطالة على المدى الطويل بنحو 0.6 نقطة مئوية، وهي نسبة مؤثرة على المدى الطويل، اضافة الى رفعه مقياس «جيني» للتفاوت في الدخل بنحو %1.5 خلال خمس سنوات وذلك ارتفاع كبير في التفاوت الطبقي قياساً على المدى الزمني القصير.ويحسب للمقال استخدامه تعبير «الليبرالية الجديدة» صراحة، وهو ما درج على استخدامه ناقدو هذه السياسات لتوضيح جذورها السياسية والفكرية، بينما يتجنب مؤيدوها استخدام هذا التعبير عادة بدعوى ان سياساتهم علمية وموضوعية ولا تنتمي الى مدرسة فكرية أو سياسية معينة، لكن يؤخذ على المقال نقاشه المجزوء للتحول الرأسمالي الذي حصل في تشيلي ابتداء من العام 1973 كدليل على نجاح اقتصاد السوق المقيد، حيث يغفل ان النظام الذي طبق هذه السياسات الاقتصادية في تشيلي كان نظام الجنرال بينوشيه الديكتاتوري، والذي جاء بانقلاب عسكري بدعم من مخابرات غربية.وفيما يخص تبعات هذا النقاش على السياسة الاقتصادية في الكويت وباقي دول مجلس التعاون، فمن الناحية العملية يمكن ان يدفعنا الى الحذر من الانجراف نحو الاقتراض من السوق المالي العالمي لتمويل عجز الموازنة العامة وان كانت تكاليف الاقتراض اقل من عوائد استثمار الاحتياطيات فلاقتراض الحكومات من السوق العالمية مخاطر تتجاوز مجرد الفائدة على القرض منها الارتهان لتقلبات السوق المالي العالي ولازمات الثقة.كما يجب اخذ الخلاصة بشأن خطر التقشف جدياً كدرس عند محاولة اصلاح الموازنة العامة في الكويت وباقي دول مجلس التعاون، فليس كل خفض للنفقات جيداً وان كان يخفض عجز الموازنة العامة فبعضه قد يضر النمو الاقتصادي ونمو الايرادات العامة على المدى المتوسط والبعيد، كما ان خفض النفقات الاجتماعية خاصة اي المساعدات المادية لذوي الدخل المحدود وما شابه يمكن ان تزيد التفاوت الطبقي وتضر الاستقرار الاجتماعي والسياسي.تبقى الاشارة الى توافر مصادر جيدة باللغة العربية حول موضوع الليبرالية الجديدة لمن اراد الاستزادة وعلى رأسها كتاب «الليبرالية الجديدة (موجز تاريخي)» للكاتب ديفد هارفي من جامعة مدينة نيويورك، وهو كتاب ناقد لليبرالية الجديدة صدر قبل ازمة العام 2008 الاقتصادية العالمية وتنبأ بعدد من الاحداث التي جرت خلال الازمة وبعدها.مرزوق النصفجريدة القبس١٢-يونيو-٢٠١٦