March 2016
14

الخصخصة وزيف شعار «مشاركة المواطنين»

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

أثبتت تجارب دول كثيرة نفذت برامج الخصخصة زيف شعار «مشاركة المواطن» وعدم صحته لأن مشاركة المواطنين جميعاً، القادر منهم مالياً وغير القادر، تكون أساساً في الملكية العامة، لافي الملكية الخاصة التي يحتكرها، مع السُلطة بالطبع، عدد قليل من الأشخاص، هم كبار ملّاك الشركات الخاصة.تستخدم الحملة الإعلامية التي تُسوّق هذه الأيام لبرامج الخصخصة والتوجه الاقتصادي النيوليبرالي المعادي في جوهره للعدالة الاجتماعية، الدعايات والشعارات ذاتها التي سبق أن استخدمت في الدول التي بدأت بتنفيذ برامج الخصخصة تحت ذريعة الإصلاح الاقتصادي، ثم أثبتت الأيام عدم صحتها وكارثية نتائجها التي لم تعد خافية على أي متابع موضوعي.ففي مصر، مثالا لا حصراً، وبعد عقود طويلة من تنفيذ برامج الخصخصة التي رافقتها حملات إعلامية مسعورة، ووعود رسمية معسولة تُبشّر المواطنين بالحياة الرغيدة والمشاركة في الثروة، فإن النتيجة الآن هي أن ما نسبته (43%) من سكان مصر تحت خط الفقر، ومعدل البطالة مرتفع فضلاً عن ازدياد عدد "العشوائيات"، وهي مساكن الصفيح التي تقام في أطراف المدن الرئيسة، وتفتقد للبنى التحتية ولأدنى مواصفات المنزل الذي يليق بالإنسان، في الوقت الذي تتركز فيه الثروة في أيدي ما لا يزيد على (5%) من المجموع الكلي لسكان مصر.وأحد الشعارات المُضللة والمُستهلكة التي ما زالت تُستخدم في جميع حملات التسويق لبرامج الخصخصة في العالم هو شعار "المواطن شريك أساسي في برامج الخصخصة" أو، بحسب زعمهم، فإن "الخصخصة ستُحوّل المواطن من أجير لدى الدولة إلى شريك في القطاع الخاص"! بالرغم من أن العكس هو الصحيح تماماً، ففي قطاعات الدولة هناك موظف عمومي يُقدّم الخدمات العامة إلى مواطنين لهم حقوق دستورية باعتبارهم مصدر السُلطة العامة (الأمة مصدر السلطات جميعاً) وشركاء في الثروة الوطنية، أما في القطاع الخاص فالحديث هو عن سلطة ملّاك رأس المال التي مصدرها حجم الملكية الخاصة، وعن عامل بأجر يُقدّم السلعة أو الخدمة أو الاثنتين معاً إلى زبائن يتم تحديد حقوقهم بحسب قدراتهم الشرائية.ولقد أثبتت تجارب دول كثيرة نفذت برامج الخصخصة زيف شعار "مشاركة المواطن" وعدم صحته لأن مشاركة المواطنين جميعاً، القادر منهم مالياً وغير القادر، تكون أساساً في الملكية العامة (ملكية المجتمع والسُلطة العامة) وليس في الملكية الخاصة التي يحتكرها، مع السُلطة بالطبع، عدد قليل من الأشخاص، هم كبار ملّاك الشركات الخاصة حتى لو أن جميع برامج الخصخصة تضمنت عملية اكتتاب عام واسعة للمواطنين بنسبة (50%) مثلا، وذلك لأن نسبة مساهمة كل شخص حينئذ ستكون بسيطة للغاية ومردودها المالي يكاد لا يذكر مقارنة بتعطيل المبلغ المالي الذي يدفعه وقت الاكتتاب لعدة سنوات، فضلاً عن أن ما سيجنيه كل مواطن من أرباح بسيطة، فيما لو تحققت أرباح سنوية، سيلتهمها التضخم النقدي، وغلاء المعيشة، وارتفاع الأسعار التي تسببها الخصخصة.أضف إلى ذلك أنه لن يكون بمقدور الغالبية الساحقة من أصحاب الدخول المتوسطة الدنيا والمنخفضة، ولأسباب مالية، المساهمة في عدد كبير من الشركات المساهمة، وهو ما يعني، واقعياً، أن المستفيد الأساسي من برامج خصخصة المشروعات العامة الرابحة، بدلاً من الاحتفاظ بها وإصلاح إداراتها، هو في نهاية المطاف من يملك ثروة هائلة وهم القِلة عادة، حيث تتراكم لديهم الثروة من دون جهد وعناء خصوصاً في ظل استشراء الفساد السياسي، وتعارض المصالح، ووجود قطاع خاص ريعي وطفيلي يعتاش بشكل شبه كامل على الإنفاق العام والدعم الحكومي.7 مارس 2016جريدة الجريدة