June 2014
30

العصيان المدني والمثال الناجح (1 من 2)

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

في العام 1988 عندما صدر كتاب الباحث البحريني الدكتور عبد الهادي خلف عن مؤسسة الأبحاث العربية تحت عنوان «المقاومة المدنية.. مدارس العمل الجماهيري وأشكاله»، قرأته باهتمام، ثم أعدت قراءته أثناء الاحتلال الغاشم على الكويت عام 1990.

وأعادتني ذكرى قراءتي لهذا الكتاب لموضوع العصيان المدني، الذي قام به الصامدون من الكويتيين وقد كان أكبر عصيان مدني مر بتاريخ الكويت، والذي ترافق مع المقاومة المسلحة الباسلة لمجموعات المقاومة المدنية والعسكرية معاً.



وتمثّل هذا العصيان الذي توافق عليه الصامدون عفوياً في البداية، ثم تعمق ونُظّم لاحقاً عبر دعوات المنشورات السرية التي كانت توزع بين الناس، لرفض قوانين الاحتلال وعدم الانصياع له أو التعاون معه، ولعدم الالتحاق بالأعمال فيما عدا من يعمل بمنشآت حيوية، مثل مرافق الكهرباء وتحلية المياه ومحطات تعبئة الوقود والمخابز «الشركة الكويتية لمطاحن الدقيق» والمستشفيات التي لم تُحتل بعد، ورفض التعامل بالعملة العراقية قدر الإمكان، وإخفاء والتستر على أفراد المقاومة والأجانب وكذلك عدم تغيير اللوحات الكويتية للمركبات، ومقاطعة البضائع العراقية والأردنية... الخ

وأقرأ هذه الأيام دردشات شبابية محدودة في وسائل التواصل حول العصيان المدني، وهي دعوات بدأت في العام 2013، وفي ظني أنه ليس الجميع يعرف المعنى الحقيقي للعصيان المدني كأسلوب من أساليب العمل الجماهيري أو أسلوب للمقاومة المدنية.

وأشكال العصيان أو عدم الطاعة تتعدد مثل المقاطعة الاقتصادية وعدم تنفيذ القوانين ورفض مزاولة الأعمال والامتناع عن تقديم الخدمات، ورفض دفع الضرائب ورفض الذهاب إلى الفصول الدراسية كما حدث عام 1973 بعد حادثة «الصامتة» في الكويت، وأيضاً الإضراب عن الطعام، والشواهد التاريخية كثيرة.

فأشهر مقاومة لا عنفية هي التي قادها غاندي بنفسه، حيث كانت أولى خطواتها فيما سمي بـ «مسيرة الملح» عام 1930، فبعدما حرّمت بريطانيا على الهند استخراج الملح قام غاندي باستخراجه بنفسه من مياه البحر، واقتدى الشعب به رغم أن غاندي لم ينصّب نفسه زعيماً لمقاومة الاستعمار البريطاني.

واستمرت حركة العصيان المدني حتى بعد تعرّض غاندي للسجن أكثر من مرة، وفي عام 1931 خرج غاندي من السجن وكرر هذه التجربة مع المنسوجات البريطانية، إذا كانت بريطانيا تأخذ القطن الهندي بأرخص الأثمان ثم تنسجه وتبيعه للهنود بثمن عال، وخصص غاندي أربع ساعات يومياً لنسج ملابسه على مغزل يدوي، وتبعه الجميع ومن كل الأديان، حتى توقفت مصانع النسيج في لانكشاير، واستمر بمقاطعة كل ما يمت للمستعمر البريطاني من شركات وبنوك والانقطاع عن العمل والدراسة، والاستعاضة عنها في التدريس في البيوت والقرى، كما حدث أثناء احتلال الكويت، واستطاع الشعب الهندي أن ينهي الاستعمار البريطاني، وخاصة أن العصيان المدني في الهند لقي تعاطفاً إعلامياً وشعبيا دوليا.

ومثال آخر هو حركة السود التي قادها مارتن لوثر كنج، عندما اتفق جميع الأميركيين من أصل أفريقي على مقاطعة حافلات النقل العام وخاصة في مدينة مونتغمري بولاية ألاباما الجنوبية، وكانت مقاطعة شاملة إضافة إلى أشكال أخرى من العصيان المدني السلمي لفتت أنظار العالم والرأي العام، فانتهى التمييز العنصري في الولايات المتحدة رغم اغتيال كنج.

وكذلك في جنوب أفريقيا بعد انتفاضة سويتو عام 1977، عندما سادت حركة عصيان مدني اتسعت جماهيرياً بشكل هائل في حجم المشاركة، وأيضاً حظيت بتعاطف دولي واسع، ونذكر أيضاً مقاطعة الشعب الإيراني الواسعة للتبغ الإنكليزي عامي 1891 و1892، احتجاجاً على تغلغل الرأسمال البريطاني.

وأيضاً شهدت منطقتنا مقاطعة عمال تفريغ السفن للبواخر الأميركية عام 1957، وتعرف هذه المقاطعة بحادث الباخرة كيلوباترا، وأيضاً نذكر الحركة الاحتجاجية التي أصبحت عالمية ضد الحرب الأميركية على فيتنام، وأيضاً حركة الاحتجاج الإسرائيلية لاجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، والتي حشدت مئات الألوف من الإسرائيليين من ضمنهم أعداد كبيرة من الضباط والجنود، مما دعم موقف المقاومة اللبنانية الباسلة، وأثار استياءً عالمياً لهذا العدوان السافر والجرائم الوحشية، كما نمت حركة السلم العالمية حتى أصبحت قوة ذات تأثير ملموس.

وللموضوع بقية

وليد الرجيب

osbohatw@gmail.com

___________________________

منقول عن جريدة الراي تاريخ 30/06/2014 العدد:12782