September 2014
21

لا يمكن القضاء على فكر الإرهاب بالسلاح فقط

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

وليد الرجيب

نسمع هذه الأيام قرقعة السلاح وطبول الحرب التي تعد لها الولايات المتحدة والدول الغربية، لمحاربة الدولة الإسلامية "داعش" تحت عنوان محاربة الإرهاب في المنطقة، وتعد الولايات المتحدة العدة لتشكيل تحالف دولي واسع يضم دول الخليج بما فيها الكويت لهذا الغرض، مع امتناع وتحفظ دول مثل تركيا ومصر حتى الآن، وفي سبيل إقحام بلادنا سعت الولايات المتحدة إلى ابتزازنا بالقول على لسان رئيس هيئة الأركان الجنرال مارتن ديمبسي:" بأن ترك داعش دون مواجهة سيؤدي إلى توسعه باتجاه الكويت (الصحف المحلية الأربعاء 17 سبتمبر الجاري).

نحن ندرك خطر داعش وجميع الحركات الإسلامية الجهادية والتكفيرية منذ زمن بعيد، وقد كتبنا محذرين من الخطر الداهم قرب حدودنا وضرورة أن تحشد الدولة إمكاناتها العسكرية والأمنية، لكشف المتعاطفين والخلايا الداعشية النائمة في مجتمعنا، وحذرنا من الغلو في المساجد والمدارس وفي جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، الذي يتم على مسمع ومرأى من السلطات دون خطوات احترازية أو عملية تذكر، بل على العكس تم التضييق والقمع والملاحقات السياسية للناشطين والمغردين الشباب بسبب مطالبتهم بالإصلاحات السياسية والديمقراطية المستحقة في بلادنا.

إنها ليست المرة الأولى التي تلجأ فيها الولايات المتحدة لتشكيل ائتلاف أو حلف تحت حجج وذرائع كثيرة، لكن هدفها الأساسي هو التدخل في البلدان الأخرى لخدمة مخططاتها ومخططات إسرائيل للسيطرة والتبعية السياسية وتفتيت دولنا والاستيلاء على ثرواتنا، وتحقيق حلمها في شرق أوسط جديد أو كبير لصالح التفوق الإسرائيلي في المعادلة الإقليمية، كما حدث في أفغانستان والعراق وليبيا وسوريا وغيرها.

يعرف الجميع وتتناقل وسائل الإعلام ومراكز التحليلات السياسية، أن الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض الدول العربية هي التي صنعت العديد من الجماعات الإرهابية ورعتها وقدمت لها التسهيلات اللوجستية والتدريب والأموال، مثل جماعة الأخوان المسلمين ومنذ عقود طويلة لمواجهة القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في بلداننا، كما دعمت وبقوة جماعة "القاعدة" تحت ذريعة محاربة الشيوعية والغزو السوفيتي، بل عملت على تأجيج الصراعات الطائفية والدينية في البلدان العربية والإسلامية لتفتيتها وإضعافها والاستيلاء على ثرواتها.

نحن ضد الإرهاب والغلو الديني والفكر التكفيري منذ البداية، وضد مشاريع الدولة الدينية ومشروع عودة الخلافة الذي تبنته جماعات الأخوان والسلف والجماعات الجهادية، ولكننا أيضاً ضد أن تُقحم بلادنا وتستخدم أراضينا وجيوشنا في هذا المشروع الأمريكي المشبوه، بينما تقف هي موقف المتفرج وتترك الخسائر المادية والبشرية لنتحملها نحن، أي أن نقاتل نيابة عنها ويبقى دورها إدارتنا بالريموت كنترول وقطف الثمار.

إن هذا المشروع الذي سيشكل خطراً على بلادنا ومجتمعاتنا الخليجية وعلى أمننا واستقرارنا واستنزاف أموالنا، سيحول بلادنا إلى ساحة حرب مع فكر متطرف وعصابات غير مرئية، تستخدم أبشع الوسائل وأكثرها وحشية، من تفجيرات انتحارية وجز للرؤوس وسبي واغتصاب للنساء، كما أن مشاركة بلداننا بسبب وجود القواعد العسكرية الأمريكية فيها، قد يكون ذريعة لتمرير الاتفاقية الأمنية الخليجية التي رفضتها الشعوب الخليجية، وسن تشريعات قمعية وتضييق الحريات تحت ستار محاربة داعش ومكافحة الإرهاب.

إن التدابير الأمنية والعسكرية وحدها لا يمكنها القضاء على الإرهاب ومنابعه وفكره، بل يجب اتخاذ جملة من الإجراءات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وأيضاً التربوية والتعليمية والثقافية والفكرية والإعلامية، وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر إصلاحات سياسية ديمقراطية، وإشراك الشعب وعدم تهميشه وإطلاق الحريات العامة والشخصية، ووقف الملاحقات والمحاكمات السياسية وإعلان العفو الشامل عن الموقوفين، لخلق بيئة تحول دون نمو جماعات التطرف وفكرها، وبناء الدولة المدنية التي يسود فيها القانون ومؤسسات المجتمع المدني.