June 2011
17

الأردن: الاصلاح الشامل...الوسيلة الوحيدة لمواجهة التحديات

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

نقلاً عن جريدة "الجماهير" الأردنية في عددها الصادر يوم الخميس, 16 يونيو 2011

تؤكد مختلف القوى الشعبية والرسمية أن الاصلاح الشامل هو الوسيلة الوحيدة والأداة الفعالة لمواجهة التحديات المتعددة التي يواجهها الوطن. فالأردن يعاني من أزمة مركبة سياسية واقتصادية منذ عدة سنوات، نجمت عن السياسات الرسمية التي طبقتها الحكومات المتعاقبة. وتعمقت في السنوات الأخيرة وبشكل ملفت للنظر ظواهر مقلقة للغاية، في مقدمتها الفساد المالي والاداري الذي يهدد منظومة القيم الاجتماعية والاخلاقية في الوطن بجانب إزدياد معدلات البطالة والفقر وتزايد العنف الاجتماعي واتساع هامش فقدان الثقة بين المواطن ومختلف أجهزة الدولة وضعف المؤسسات التمثيلية وفي مقدمتها مجلس النواب وتعثر نمو المجتمع المدني.

وكانت هذه الاوضاع والظواهر سبباً رئيسياً للمطالبات المستمرة بالاصلاح الشامل سياسياً واقتصادياً من قبل القوى الوطنية والديمقراطية والاجتماعية على امتداد عدة سنوات. وقوبلت هذه المطالبات بالصمت وإدارة الظهر، كما غضت الحكومات المتعاقبة النظر عن مطالبتها في كتب التكليف بالقيام باصلاحات محددة في الجانب السياسي .

ولكن النهوض الثوري الذي انفجر في تونس ثم في مصر مع ما ولده من حراك شعبي وجماهيري، كشف أن ساعة التغيير قد دقت في جميع البلدان العربية بلا استثناء. واتضح من طبيعة وحجم الحراك الشعبي في مختلف البلدان العربية، ومن الدور الكبير للشباب فيه، أن عملية الاصلاح والتغيير قد فرضت نفسها، وأنه لا يمكن للبلدان العربية ان تعود أبداً لما كانت عليه قبل أحداث تونس ومصر. وانتزعت الجماهير الأردنية حقها في التعبير، رغم قانون الاجتماعات العامة المتخلف، واستلهمت روح ومضمون النهوض الثوري في تونس ومصر، وارتفع صوتها مطالبة بقضايا ديمقراطية وعادلة ومشروعة من حلال حراك جماهيري واسع . وشهدت شوارع عمان وغيرها من المدن الأردنية مسيرات سلمية شارك فيها الآلاف والتي تطالب بالعدالة الاجتماعية والحريات العامة والكرامة الانسانية والاصلاح السياسي والاقتصادي. وكانت هذه المسيرات الكبيرة وغير المسبوقة مثالاً في الانضباط، فلم يحدث أي تجاوز أو تخريب للملكيات العامة أو الخاصة أو التعدي على حريات الغير. وكان الحراك الشعبي الواسع والمتعدد الألوان والشعارات مثالاً للانضباط لولا بعض التجاوزات من قبل الأجهزة الأمنية واهمها ما جرى على دوار الداخلية.

وكان تشكيل لجنة الحوار الوطني خطوة جدية وصحيحة على طريق احداث توافق وطني واسع لتحقيق التغيير والاصلاح الضروري والذي أصبح حالة تحتذى على النطاق العربي، حيث اصبح الحوار الوطني مطلباً لمواجهة الصعوبات والاختناقات التي تواجهها المجتمعات العربية المختلفة. وأنيط باللجنة بشكل مباشر وضع قانونين للانتخاب والأحزاب باعتبارهما المدخل الأهم بمنظومة العمل السياسي، والبحث في مختلف التشريعات ذات الصلة من أجل تحقيق الوصول الى حياة سياسية تستند الى مبدأ المشاركة السياسية وتحويلها الى ممارسة جادة وفعلية من خلال أدوات المشاركة الانتخابية والحزبية. ثم جاء تشكيل لجنة تعديل الدستور الملكية لتوجد حالة من التكامل الضروري بين الاصلاحات في الممارسة السياسية وفي التشريعات والقاعدة الدستورية الواجب الاستناد اليها.

وبذلت لجنة الحوار الوطني جهوداً مكثفة من أجل انجاز المهمة التي أنيطت بها، ولم يكن عملها سهلاً أبداً وخاضت حوارات عميقة وحادة في كثير من الحالات. وأمكن التوصل الى نتائج هامة، ولكنها في جميع الحالات ادنى من الطموح، رغم انها تشكل نقلة واضحة. فبالنسبة لقانون الاحزاب، أبعدت جميع الشروط الأمنية أو ذات الطابع الأمني، وأبعدت كذلك كل الاسباب التي تبعث الريبة او التخوف من الانتساب للأحزاب، واقترح تشكيل هيئة عليا للاشراف على شؤون الاحزاب، بحيث ينتهي اشراف السلطة التنفيذية على الاحزاب. وأقر مبدأ تبسيط تشكيل الاحزاب وجرى تخفيض عدد المؤسسين الى 250 بعد ان كان 500، علماً بأن لجنة قانون طالبت ان يكون العدد 100 .

ولأهمية قانون الانتخاب في حياة البلاد السياسية، وكونه المدخل الأهم للاصلاح السياسي، فقد استنفذ الجزء الأكبر من جهود اللجنة. وبعد الاطلاع على مجموعة من المقترحات بهذا الخصوص وعلى مجموعة من نماذج قوانين الانتخاب على الصعيد العالمي، فقد تمحورت النقاشات في المحصلة النهائية حول عدد محدود جداً من هذه النماذج والمقترحات. وتركز الجدل في النهاية حول القبول بمبدأ قائمة نسبية على نطاق المحافظة مع قائمة نسبية على نطاق الوطن. هذا على أساس اعتبار المحافظة دائرة النتخابية واحدة لها عدد محدود من المقاعد. بينما القائمة النسبية على نطاق الوطن، تعتبر الأردن كله قائمة واحدة. وفي حين لم يعترض احد من أعضاء اللجنة العامة على مبدأ القائمة النسبية على نطاق المحافظة، الا أن مبدأ القائمة النسبية على نطاق الوطن، بجانب القائمة على نطاق المحافظة قوبل بمعارضة حادة ، استوجبت الدخول في حوارات قاسية جداً. وتولى الدفاع عن القائمة النسبية على نطاق الوطن عدد محدود من اعضاء اللجنة العامة، هذا مع العلم ان هذه القائمة هي ذات طابع سياسي ، وهي الوسيلة الأهم لتثبيت دور الأحزاب وتعميق الترشح على أساس برامجي، ومن شانها تجسيد طابع التحالفات السياسية التي يفترض فيها ان تعمق مساهمة الأحزاب في الحياة النيابية وتمهد الطريق لتشكيل حكومات على أساس الاغلبية الحزبية. كنا نطالب بأن تكون القوائم بمعدل 50 بالمئة للمحافظة و50 بالمئة للوطن، ثم تم الراجع عن هذه النسب في ضوء المعارضة الواسعة، وقيل في حينه أنه لا يجوز ان تكون عضوية هذه القائمة أقل من 25 عضواً كحد أدنى. وترك الموضوع لرئيس اللجنة لاقراره بعد مشاورات لا بد منها. والحقيقة ان تحديد اعداد هذه القائمة بـ 15 مقعداً وبالشروط الواردة فيها، وهي انه يجب ان تشمل حكماً على واحد من كل محافظة، نقول ان هذه الشروط تنسف كلية الهدف من تشكيل هذه القائمة وتعيدها الى قائمة الصوت الواحد، وتفرغها من مضمونها السياسي، الأمر الذي يشكل تراجعاً عن خطوة ضرورية لدفع الحياة النيابية خطوة الى الأمام والى فسح المجال أمام الاحزاب لتسهم في شكل أوسع في حياة البلاد السياسية ، وهو ما يستجيب الى الهدف الأبرز لعمل لجنة الحوار الوطني، وخاصة في ضوء توجيهات جلالة الملك بهذا الخصوص.

ولدى التدقيق في المبررات التي قدمت لرفض القائمة على نطاق الوطن او تخفيض عددها، وأخيراً لإفراغها من مضمونها، يتضح ان هذه المبررات تستند الى مخاوف سياسية وجغرافية، ونحن نعتقد أن وجود مثل هذه القائمة من شأنه تبديد هذه المخاوف واستبدالها بقواعد سياسية تساهم في تعزيز الوحدة الوطنية والطابع السياسي للانتخابات العامة .

ونؤكد هنا ان عدم التقدير الصحيح لطبيعة المهة في اللجنة هو الذي أدى الى هذه النتيجة بالنسبة لقائمة الوطن. فاللجنة كما هو معلوم تشكلت من اجل رفع مستوى الحياة النيابية وتعزيز دور الأحزاب، واستعادة البرلمان لمكانته في مجمل النظام السياسي، وإن تشكيل قائمة الوطن يعزز هذه التوجهات ولا يتناقض معها.

ورغم ذلك فإن القائمة النسبية على نطاق المحافظة، تعتبر من اكثر الانظمة الانتخابية تطوراً في العالم، وهي تؤمن مشاركة حقيقية لمختلف القوى في الحياة السياسية ولا تفسح لأية قوة منفردة أن تستولي على مجموع مقاعد المحافظة مهما كانت قوتها!!! ولا بد أن نذكر ان هناك مطالبات واسعة لتكون الانتخابات في النقابات المهنية على أساس القائمة النسبية . فالنظام الأكثري يعطي كافة المقاعد للذي يحصل على اعلى الأصوات، بينما النظام النسبي يقسم المقاعد على مختلف القوائم في ضوء نسبة حصولها على الأصوات.

وبجانب ذلك فقد قدمت لجنة الحوار الوطني مجموعة من المقترحات للاصلاحات الدستورية، منها تعديل كل ما يتعلق بضرورة اقرار القانونين، وثانياً تشكيل لجنة وطنية تشرف على الانتخابات والاحزا ب، وتولي القضاء البت في الاعتراضات على نتائج الانتخاب. والمطالبة بتشكيل محكمة دستورية، هذا مع التوصية بادخال تعديلات دستورية أخرى لاستعادة الحياة البرلمانية الصحيحة وتعميق مبدأ الحريات الديمقراطية وتوفير المناخ المؤاتي لتطوير الحياة السياسية.

وما أن اعلنت نتائج عمل لجنة الحوار الوطني، حتى توالت التعليقات عليها. فهناك من ينتقدها ويقول أنها بمجملها لم تنجح في ملامسة رغبات الشعب في التغيير، ورأى فيها خطوة الى الوراء، وهناك من رأى فيها خطوة تشكل نقلة فعلية في حياة البلاد السياسية ولكنها ليست كافية، إذ ان الظروف التي أحاطت بعمل اللجنة كانت تسمح بتحقيق أكثر مما تحقق. وهناك من طالب بالعودة الى قانون الصوت الواحد، والابقاء على قانون الاحزاب كما هو حالياً ، حتى ان البعض طالب بزيادة عدد المؤسسين .

وانتشرت على نطاق البلاد مواقف وآراء متفاوتة عكستها الصحافة اليومية والالكترونية على السواء، طالب بعضها بعدم الأخذ بنتائج عمل لجنة الحوار، وتكون مناخ يوحي بأن قوى مختلفة تحاول الاجهاز على هذه النتائج .

وجاء خطاب جلالة الملك بمناسبة اعياد الاستقلال والجلوس ليؤكد على أهمية نتائج لجنة الحوار، إذ قال "إننا سننطلق من توصيات لجنة الحوار الوطني التوافقية نحو قانوني الانتخاب والأحزاب، بحيث تكون ممثلة لطموح الاردنيين وتضمن انجاز قانون انتخاب عصري يقود الى مجلس نواب يكون ممثلاُ لجميع الأدرنيين، وموضع ثقتهم في الحفاظ على حقوقهم وتحقيق تطلعاتهم". ثم أكد أن ممارسة الحقوق الانتخابية يلتقي عملياً مع المراجعات الدستورية التي تضعها اللجنة الملكية التي كلفنا بالنظر في أية تعديلات دستورية ملائمة لحاضر الأردن ومستقبله، لتنفيذها وفق قواعد التعديل الدستوري من أجل ضمان مؤسسية العمل الديمقراطي النيابي التعددي. وطالب أن تجري الانتخابات النيابية المقبلة بموجب القوانين الناتجة مع لجنة الحوار الوطني.

وهنا تبرز اهمية مشروع قانون الانتخاب، حيث الغي قانون الصوت الواحد والدوائر الوهمية وتكرست اهمية البرامج في الانتخابات ومختلف الاصطفافات ذات الطابع السياسي والبرنامجي مع توسيع دور الأحزاب.

وتوالت تأكيدات الملك على عمليات الاصلاح خلال مجموعة لاحقة من المناسبات. ففي لقائه مع رئيس مجلس النواب ونوابه ومساعديه واعضاء المكتب الدائم ورؤساء الكتل النيابية أكد ان عملية الاصلاح الشامل خيار لا رجعة عنه، وهي السبيل الأمثل لتجاوز التحديات. وقال أن الوصول الى توافق وطني على توصيات لجنة الحوار الوطني هو طريقنا لتعزيز النهج الاصلاحي. وأكد في حديثه لدى افتتاحه لأعمال ملتقى الشباب 2011، على اهمية انخراط الشباب في الحياة الحزبية وأشاد بنتائج لجنة الحوار الوطني .

والحقيقة أنه يفترض التوقف قليلاً هنا. ففي الوقت الذي يشدد فيه الملك على اهمية نتائج لجنة الحوار الوطني، فإننا نشهد مظاهر الحشد والتعبئة من قوى الشد العكسي والحرس القديم ضد نتائج لجنة الحوار، حتى ضد مبدأ الحوار من قبل البعض. ونحن نؤكد ان نتائج لجنة الحوار قد جاءت بمجملها أفضل مما كان سائداً قبلها سواء لجهة قانون الانتخاب او الأحزاب أو لجهة التشريعات الدستورية النافذة. وهي من هذه الزاوية نقلة هامة الى الأمام ، وإن كان من المتوقع ان تكون أفضل وعمقاً ، ولكنها رغم كل ذلك تضع البلاد على سكة الاصلاح إذا توفرت الشروط والمناخ المؤاتي لذلك.

ونحن نعتقد ان الضمانة تكمن في موقف جلالة الملك وتمسكه الحازم والواضح بعملية الاصلاح مع تقديرنا بأنه ستكون هناك قوى تبذل ما يمكنها من جهد للتعطيل. ونحن إذ نقدر أن ما تم ليس كل الذي كان متوقعاً، فإننا نؤكد أن طريق الاصلاح طويل، ولكنه يحتاج تكاتف كل القوى الخيرة من أجل متابعة النضال للمزيد من الاصلاح في مختلف المجالات، لا سيما في المجال الاقتصادي الذي يشكل حجر الزاوية بالنسبة للمواطنين في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة.