August 2015
18

إلى لقاءٍ قريبٍ.. يا خالد

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

غادر العزيز خالد منذ أيام، باحثاً عن مَهْجر آخرٍ يأويه ويحتضنه، بعد أن لفظته لبنان، لعلها تكون هذه المرة دولة غير عربية.. كان عجزه عن تأمين وظيفة شريفة، تحفظ له ماء وجهه من ذل السؤال، وتُطعم أولاده الصغار، هو الذي دفع به إلى الهجرة..

كانت الأبواب موصدةً بوجهه، وقد شحت الأنفس أمامه، لم تحركهم عروبتهم، ولا إنسانيتهم، وهم يرونه ينكسر يوماً بعد يوم، كان صادقاً بوطنيته، وبمبادئه، التي من أجلها ترك وطنه، وقد رفض أن يبيع ثورة شعبه وأهله بسوق النخاسين، كما تاجر بها غيره، وجنوا باسم الثورة أموالاً طائلة.

كان يعمل بلا كلل وملل، ودون مقابل، من أجل أن تُعقد ندوة للشباب العربي، أو دورة للمؤتمر القومي العربي، أو مخيم للشباب العربي، ظل حريصاً على مد خطوط التواصل مع كل الإخوة العرب القادمين للبنان من المشرق والمغرب والخليج والمهجر، من دون تمييز، كان يستقبلنا بابتسامةٍ وادعةٍ رغم الألم، وصدرٍ رحبٍ رغم ضيق الظرف، وبيدٍ كريمةٍ رغم قلة المال، ثم يودعنا بحرارة ودموع مخفية.

كان شعلة في النقاش، وركيزةً بالثقافة، يعرف الكثير عن خفايا وأحداث الثورة السورية، وقد عايش أحداثها الأولى لحظة بلحظة، منذ أن اندلعت شرارتها الأولى في درعا، تجده يدافع عن خصمه الغائب، كأنه محامٍ عنه، أراه أحياناً إسلامياً أكثر من الإسلاميين، حين يدور الحديث حولهم.

فعلاً، هو يتقن مهنة المحاماة بإنسانية صادقة، ومازال مؤمناً بقيم الحرية والكرامة، على الرغم من كآبة المشهد، يمقت التدجيل والتلفيق والافتراء والتطبيل، لذلك دفع ثمناً باهظاً كلفه ترك الأهل والوطن.

تُجسد تجربة خالد القاسية واحدة من معاناة الشعب السوري على مدى أربع سنوات، تشعر به كأخٍ لك في الغربة، تجده يسأل عن صديقه حين يفتقده باستمرار، كنت أجد اتصالاته ورسائله متتالية في هاتفي حين أغيب عنه.

حقيقة، أنا لا أتخيَّل الحمرا كيف ستكون من بعده، فقد تعوَّدت على مجالسته، والسهر معه، فإلى الوداع يا أبا عيسى، على أمل أن ألتقيك في دمشق، بعد أن تُشرق فيها شمس الحرية، ويتبدد فيها ظلام التخلف والهمجية والاستبداد.

بقلم عضو التيار التقدمي أحمد الجاسم

جريدة الطليعة

۱٩ أغسطس ٢۰۱٥