دائماً ما نتكلم عن الخلل في المنظومة السياسية، وكيف أننا بعد أكثر من خمسين عاماً لم نتطور سياسياً؛ بل ازداد الوضع سوءا في ظل نظام انتخابي عزز السلبيات التي نعاني منها؛ كالتكتلات الطائفية والقبلية وعدم وجود رؤية للمستقبل سواء عند مجلس الأمة أو الحكومة.وقد برز في السنوات القليلة الماضية وأثناء الحراك الشعبي مطلب «الحكومة المنتخبة» كبوابة للإصلاح السياسي، ولكن هذا المصطلح غير دقيق وغير واضح المعالم، وبالتأكيد ليس هو الحل المباشر للوضع القائم، وقد يتضايق البعض من هذا الطرح كون الحكومة المنتخبة، أحد أهم مطالب المعارضة في الفترة السابقة؛ ومازال البعض ينادي بها كركيزة أساسية في طرحه، ولكن بكل بساطة؛ هل انتخاب الوزراء سيصلح الوضع؟ألن يتمكن المرشح الفاسد للحكومة من شراء الذمم أو تخليص المعاملات أو غيره من الأساليب التي تمكنه من الفوز وباكتساح في الانتخابات النيابية - الوزارية؟لذلك فإن مصطلح «الحكومة المنتخبة» غير دقيق، والأسلم هو المطالبة بالنظام البرلماني مكتمل الأركان واستكمال الديموقراطية، بحيث تكون هناك جماعات سياسية تخوض الانتخابات عبر نظام القوائم النسبية التي تسمح بوجود أغلبية تشكل الحكومة؛ وأقلية تكون معارضة ومراقبة لأعمال الحكومة.وللوصول لهذه المرحلة يجب أن نبدأ بخطوات تسبقها... فخلال تجربتنا الديموقراطية طوال تلك السنوات رُسخت مفاهيم سيئة كالعمل الفردي السياسي وتقديم المصالح الشخصية على مصلحة الوطن والرجوع للمكون الاجتماعي كقاعدة أساسية للانتخابات، ما أدى إلى تفكك المجتمع وارتفاع مستوى الطرح الطائفي والعنصري في البلد.لذلك، فمن المهم البدء بإصدار قانون يسمح بإشهار الأحزاب أو الهيئات السياسية، بحيث يتم تشكيل تلك الأحزاب على أسس وطنية وديموقراطية ومبادئ سياسية اقتصادية واجتماعية بعيدة كل البعد عن الطرح الفئوي والطائفي؛ وهذا قبل الانتقال لنظام القوائم النسبية في الانتخابات والحكومة البرلمانية، بحيث يبدأ ترسيخ مفهوم العمل السياسي المنظم عند المجتمع شيئاً فشيئاً.إن فكرة الأحزاب ليست دخيلة علينا وليست كما يصورها بعض أطراف السلطة والمستفيدون من الفوضى السياسية، فالمذكرة التفسيرية للدستور تبين بوضوح في تفسيرها للمادة 43، عدم حظر الاحزاب بل ترك الدستور حرية إشهارها للمشرع، كما ورد أيضا في تفسير المادة 56 حول المشاورات التقليدية التي تسبق اختيار رئيس الوزراء أنها المشاورات التي يستطلع بموجبها رئيس الدولة وجهة نظر الشخصيات السياسية وبينهم رؤساء «الجماعات السياسية».أي أن دستور الكويت لا يمنع ولا يحظر الأحزاب، كما أن الأحزاب موجودة على أرض الواقع ولكن من دون قانون ينظم عملها أو يعطيها الصفة الشرعية، ما سمح بوجود أحزاب تتبنى أفكاراً طائفية متطرفة تسيء للعمل السياسي وتدمر الوحدة الوطنية، لذلك فمن المهم العمل جدياً على صياغة قانون ديموقراطي لاشهار الأحزاب.في الختام، لكل منا وجهة نظر في عملية الإصلاح السياسي، وباعتقادي الشخصي أن اهم الخطوات قبل الانتقال لنظام القوائم النسبية أو الحكومة البرلمانية، هي إشهار الأحزاب وترسيخ مفاهيم العمل السياسي المتطور عند المجتمع... وبهذه المناسبة، فإنني أبارك لجمعية الليبراليين الكويتية إشهارها من قبل وزارة الشؤون كأول جمعية نفع عام تتبنى فكراً سياسياً رغم أن قانون جمعيات النفع العام يمنعها من العمل السياسي!عضو التيار التقدمي الكويتي د.حمد اسماعيل الأنصاريجريدة الراي