September 2014
7

كيف نفهم الحوار الوطني؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

يبدو أن هناك تحركات أو تحضيرات لأطراف محسوبة على المعارضة، لإعادة طرح مشروع ما يسمى بـ «الحوار الوطني»، وهو مشروع ليس جديدا، فقد طُرح منذ اندلاع الأزمة السياسية وتفاقمها، على اثر مطالبات بالإصلاح السياسي والديموقراطي، التي تصاعد سقفها من حركة احتجاجية من أجل إصلاح الإدارة السياسية، وعلى تراجع مؤشرات التنمية بسبب تفشي الفساد والإفساد، وما أطلق عليه (الإيداعات المليونية) و(التحويلات الخارجية)، وهي رشاوى وشراء ذمم وولاءات بعض نواب مجلس الأمة الأسبق، وووجه الحراك بالقمع والاعتقالات واستخدام العنف والتعسف بالقانون في ديوان الحربش، واستمر الحراك الاحتجاجي بشكل أو بآخر وارتفع سقفه إلى مطالبات بضرورة إقامة النظام البرلماني الكامل، ووجود حكومة تحظى بثقة البرلمان، التي عبر عنها البعض خطأ بـ «الحكومة المنتخبة» ووجود رئيس وزراء ووزراء للوزارات السيادية من خارج أسرة الحكم، وتشريع قوانين لحياة حزبية سليمة وتعديل النظام الانتخابي ليتم بالقوائم النسبية، وكل ما تتطلبه الدولة المدنية الديموقراطية الحديثة، مع إتاحة الحريات الشخصية والعامة، ثم جاءت خطوة إقرار مرسوم الصوت الواحد، التي تم على إثرها مقاطعة الانتخابات، لكن الأزمة السياسية تعمقت بسبب عدم الاستجابة للمطالب الإصلاحية، وبسبب ردود فعل الحكومة العنيفة من خلال القمع ومواجهة الحراك الشعبي السلمي بالغازات المسيلة للدموع والهراوات والرصاص المطاطي، وترافقت مع حملة اعتقالات واسعة ومحاكمات، وسجن للناشطين السياسيين والمغردين.

لكن يبدو أن هذه الإجراءات القمعية لم تردع الحراك الشعبي السلمي، فصعدت الحكومة من إجراءاتها بسحب جنسيات بعض المعارضين وبشكل انتقائي، وهددت آخرين باتخاذ نفس الإجراء بحقهم وحق أبنائهم وأسرهم.

وفي ظل هذا الحراك لم تكن المعارضة على قلب واحد، وكانت متباينة الأهداف وهذا قد يكون بديهياً في ظل تنظيمات ذات مصالح متباينة، وأخرى لا تمت بهياكلها للتنظيم السياسي، بل كانت الزعامة فيها للوجوه البرلمانية التي فقدت مصالحها وهدفها النهائي وهو الوصول إلى كرسي البرلمان، وتحول الخطاب من سياسي إلى انتخابي وشابت بعضه نكهة طائفية.

وفي ظل هذا الواقع المأزوم كيف نفهم الدعوة للحوار الوطني؟ رغم أننا لسنا ضد مبدأ الحوار، ولكن ألم تتحرك بعض القوى الإسلامية منفردة لمثل هذا الحوار وفشلت؟ وما الهدف الحقيقي من ورائه؟ أهو تخفيف حالة الاحتقان السياسي ونزع فتيل الأزمة؟ إذ ان ذلك مطلب الجميع وغايتهم في وطن مستقر وآمن وديموقراطي تسود فيه الكرامة والحرية والعيش الكريم.

وماذا يعني الحوار هنا؟ هل يعني التنازل عن مطالب الجماهير التي قُمعت وسجن العديد من أجلها؟ هل يعني الموافقة على استمرار النهج الذي بسببه تأججت وتعمقت الأزمة السياسية، وبوجود قيود على الحريات وتعدٍ على الدستور وخروج عن النهج الديموقراطي الذي تكون الأمة بموجبه مصدر السلطات جميعاً؟ خاصة أن الدعوة الأخيرة شابتها بعض علامات الاستفهام مثل وجود أطراف فيها لا تؤمن بالديموقراطية ولا بالدولة المدنية، وتحرّم حق التجمع والإضراب وضد الحريات الشخصية التي كفلها الدستور، وأيضاً وشت بعض التصريحات باستبعاد قوى سياسية مبدئية مثل التيار التقدمي الكويتي وكتلة العمل الشعبي وهو يعني الإقصاء، وكذلك استبعاد شخصيات سياسية وصفت بأنها خلافية، والمقصود بالتأكيد هو استبعاد المعارضة التي تهتم بالشأن الوطني ومصلحة الشعب، أي خلع أنياب المعارضة من أجل مكاسب ضئيلة مثل إبدال الصوت الواحد بصوتين، مما يتيح الفرصة والذريعة للداعين للحوار الوطني للترشح للانتخابات المقبلة بأي ثمن وإن كان على حساب مصلحة شعبهم، ودون وجود تكافؤ بين طرفي طاولة الحوار.

أما الخطر الإقليمي والخارجي فنحن أول من دعا وما زال من خلال هذه الزاوية، للالتفات إلى الخطر المحدق من الجماعات الإرهابية التي تُموّل وتُدعم من بعض أطراف الداعين للحوار، بدلاً من اعتبار أن هناك مؤامرة من الإصلاحيين ضد أمن البلاد، لمجرد مطالب سلمية مستحقة وتصب في صالح الجميع.

نعم نحن نتابع التفاهمات والترتيبات في المنطقة، التي تحتاج إلى استقرار مجتمعاتها، لكن لا يجب أن يكون ذلك من خلال حوار غير عادل أو متكافئ، أو من خلال تنازل مجاني عن مصلحة الشعب والوطن.

وليد الرجيب

_________________________________

منقول عن جريدة الراي تاريخ 07/09/2014 العدد:12851