April 2016
13

هل هناك حركة نسوية حقيقية في الكويت؟

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

تعاني النساء اليوم من اضطهاد وتمييز في كثير من أنحاء العالم وهو نتيجة تراكمات فكرية واجتماعية واقتصادية وقانونية كثيرة أنتجت العديد من الحركات النسوية.يُطلق مصطلح “النسوية” على التحرك أو الفكر الداعي إلى مساواة المرأة بالرجل ورفع الاضطهاد عنها والتمييز ضدها. وعبر التاريخ مرت “النسوية” في العالم بعدة مراحل وانقسامات فكرية، وتأثرت بالفلسفات والأديان السائدة، فكانت أحياناً راديكالية أو ليبرالية أو ماركسية، واصطبغت تارة بصبغة دينية كالنسوية الإسلامية والمسيحية واليهودية.النسوية الطفوليةأما في الكويت فلدينا مدرسة فكرية جديدة من “النسوية”، وهي النسوية الطفولية التي لم تخرج بعد من مشهد الطفل حين يغضب ويصفق الباب في وجه والده!وفي الواقع لا توجد نسوية حقيقية في الكويت، نعم هناك شخصيات نسوية حقيقية، لكنها إما لا تتصدر المشهد وليست فاعلة في الشأن العام أو موجودة في المجال الحقوقي بأعداد قليلة جداً.حق المرأة الآنويعتقد كثير من الأشخاص أن لا أهمية كبرى لوجود حركة نسوية في الكويت بسبب حصول المرأة الكويتية على جميع حقوقها على حد زعمهم، وترسخت هذه الفكرة بعد حصول المرأة على حقوقها السياسية، وهو الأمر الذي يقال إنه نضال نسوي بامتياز رغم أنه بشكل ما كان آتياً لا محالة لأسباب سياسية بحتة، وتحولت بعدئذ الحقوق السياسية من وسيلة لتحصيل بقية الحقوق المهدورة إلى غاية بحد ذاتها لم تعد بعدها المطالبات النسائية سوى مهرجانات خطابية وشكاوى.إن كثير من التقدم الذي يصب في مصلحة المرأة الكويتية اليوم هو بسبب تحركات فردية من بعض النساء، معظمهن ليس لهن توجهات فكرية نسوية، لكنهن تعرضن للظلم في بعض القضايا، ومثال ذلك عدم قبول طالبات كلية الحقوق، وبينهن بعض الفائقات، في وظيفة وكيل نيابة، وقبول زملائهن الذكور رغم أن معدلاتهم العلمية أقل، مما حدا ببعض الطالبات إلى رفع قضايا والمطالبة بإحالتها إلى المحكمة الدستورية التي قضت لهن بحق التعيين بناء على المادة 29 من الدستور الكويتي التي تنص على عدم التمييز على أساس الجنس، وقد أتى ذلك بعد سنوات طويلة من رفض العديد من الطالبات دون أن يكون هناك تحرك منظم من المجاميع التي تحمل لواء “النسوية” في الكويت.التمييز ضد المرأة عالميأضف إلى ذلك أن الفكر النسوي يشمل جميع النساء في العالم، فقضية التمييز ضد المرأة هي قضية أممية تتجاوز الحدود والأعراق والأديان والطبقات، إنها قضية اضطهاد إنسان على أساس نوعه، ولذلك فما يسمى بـ”النسوية” في الكويت هو في غالبه نسوية عنصرية قائمة على ما حصلت المرأة الكويتية عليه من حقوق وما لم تحصل عليه، في حين أن في داخل الكويت نفسها الكثير من النساء غير الكويتيات ممن يعانين الاضطهادَ والظلم لمجرد أنهن نساء دون أن يحصلن على أدنى اهتمام ممن يطلقن على أنفسهن نسويات أو ناشطات في حقوق المرأة.ويشمل الظلم شرائح متعددة من النساء مثل عاملات المنازل اللاتي يتعرض كثير منهن -على سبيل المثال- للتحرش الجنسي والاغتصاب وعدم مساواة أجورهن بأجور العاملين من الرجال، إضافة إلى تعرضهن للعديد من الانتهاكات التي تقترف بعض منها نساء مثلهن، كذلك ما تعانيه المرأة البدون في مجالات متعددة بينها التعليم، وهذا كله داخل الحدود الجغرافية لمدّعيات “النسوية.ولم تكتفِ “النسوية الكويتية” بأن أهملت قضايا المرأة غير الكويتية، بل حرضت عليها في بعض الأحيان، فكم من محفل حقوقي تجد فيه من تمسك بالميكروفون وتصرخ مطالبة بتجنيس أبناء الكويتية بدلاً من تجنيس أبناء الفلبينية والسيريلانكية المتزوجة من كويتي بحسب القانون!ويعجب المرء كيف لمن يطالب برفع الظلم عنه أن يطالب بظلم الآخر ومن يدعي أن الدولة تمارس العنصرية ضده على أساس الجنس أن يمارسها ضد غيره على أساس الجنسية والعرق!نسوية برجوازيةورغم مسيرتها التقدمية في الحراك العام في الكويت منذ خمسينيات القرن الماضي حتى الثمانينيات، فإن “النسوية الكويتية” باتت تأخذ طابعاً طبقيّاً بشكل متزايد خلال العقود الماضية، فأصبحت نسوية برجوازية تتكون في معظمها من مجموعة من سيدات المجتمع اللاتي أردن شغل وقت فراغهن في حمل راية حقوق المرأة بغرض البروز الاجتماعي، فتأتي الخطابات منفصلة عن الواقع مبتعدة عن هموم بقية الطبقات المسحوقة من النساء في البلاد، ولغتها سطحية لا تتجاوز “ثوري وقومي ولا ترضي” و”نطالب بـ…” و”نرفض أن” دون أي ملامسة للواقع العملي واليومي لحياة المرأة.فنتسائل هنا أين نسويات الكويت عن “تشييء” المرأة في الأعمال الفنية الكويتية ووضعها في قالب السلعة الاستهلاكية أو الأداة الجنسية؟ وأين هن من الإنتاج الفني الذي وضعها في صورة تافهة وساذجة تدور في فلك الذكر في عملية برمجة كاملة للعقول؟ وأين النسويات من المناهج التعليمية التي تكرس احتقار المرأة ليحمل ذلك جيل بعد جيل كالمناهج الدينية التي تعلي سلطة الذكر على الأنثى وتضعها موضع الأقل، وتحافظ المناهج اللغوية كاللغة العربية والإنجليزية على صورة نمطية للأم كعاملة في المنزل فقط والبنت كمساعدة لها، في حين تصور الأب والابن كعاملين خارج المنزل فقط دون اعتبار لمبدأ المشاركة والدور الفاعل للجنسين داخل المنزل وخارجه في تكريس لفكرة مجتمعية رجعية حول دور المرأة والرجل؟ أين النضال في وجه قوانين الدولة الجائرة التي وضعها الذكوريون من الرجال كقانون الإسكان الذي يميّز بين حقوق الرجل والمرأة، إضافة إلى الميراث في قانون الأحوال الشخصية، وعدم التساوي في فرص العمل وغيرها؟ ماذا فعلن في مواجهة العنف المنزلي المستشري الذي معظم ضحاياه من النساء؟ أين توعية المجتمع؟ تركن كل القضايا الجوهرية ووقفن عند استخدام مصطلح “حريم” من عدمه عند الإشارة للنساء، وكأن هذا كل ما تعانيه المرأة، وكأنهن -كما قال عادل إمام- “ساب الجيوش والمماليك وقعد يمضي على أطباق”، مساهمات في تسطيح وتتفيه قضايا النساء بسبب العيش في فقاعة وردية أبعد ما تكون عن العالم الحقيقي!لقد كان لي احتكاك ببعض من أطلقن على أنفسهن لقب نسويات أو ناشطات في شئون المرأة وحقوقها، أو كتبن ودافعن عن حقوق المرأة وعزفن على وتر مظلوميتها، فوجدت كثيرات منهن ما بين متحدثة لبقة تلقي بشعارات مزينة لا قيمة لها ولا تترجم إلى أفعال، ومن “شقّت جيبها” لحث النساء على الاستقلال الذاتي وفي حياتها الشخصية تعيش على نفقة الرجال، وأخرى ترتدي ثوب “النسوية” على وسائل التواصل الاجتماعي لتضييع الوقت انتظاراً لفارس الأحلام الذي سينزع عنها هذا الثوب وتعود كدرة مصونة وجوهرة مكنونة تزعجنا ببرودكاست خلطات التبييض على الواتس أب!هذه “النسوية” المشوهة هي جزء من المشكلة، من الثقافة الذكورية وثقافة المجتمع المستصغر للمرأة، والدولة غير العادلة معها، هذه “النسوية” العرجاء هي السبب في تأخر المسير نحو تحقيق مساواة كاملة، هذه “النسوية” الطفولية هي السبب في تأخر وعي المجتمع وبقائه على ذكوريته واحتقاره للنساء أو وضعهن في مرتبة أدنى في المجتمع.إن ما تحتاج إليه المرأة في الكويت، وسائر دولنا العربية، نسويات يحملن الفكر الكافي لإطلاق تحركات فعلية لتطوير العمل الحقوقي النسوي وتحويله إلى عمل فاعل على الأرض، وأن تكون جمعيات النفع العام المختصة بقضايا المرأة أٌقرب إلى المشكلات التي تعانيها النساء متجاوزة جميع الحدود العرقية والدينية والطبقية، والضغط على منابع التغيير التشريعية والتربوية والمجتمعية من خلال العمل المنظم والساعي فعلياً إلى تحقيق المساواة الكاملة ورفع الوعي المجتمعي.ولمزيد من الإطلاع حول أوضاع المرأة في الكويت، يمكنك الاطلاع على تقرير أعدته الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان بهذا الشأن.شيخه البهاويدنُشِر في صحيفة Open١١-أبريل-٢٠١٦