في حوار خاص مع "الطليعة" كشف فيه عن عمق الأزمة السياسية أحمد النفيسي: النظام يعيد صناعة أجواء ما قبل احتلال الكويت.
/>في وقت ترتفع فيه حدة الصراع السياسي الدائر بين مختلف الأطراف، تبقى القراءة الصحيحة والواقعية لمجرى الأحداث مطلباً ملحاً، وفي هذا لا تجد أمامك سوى النائب السابق أحمد النفيسي الذي على الرغم من ابتعاده عن الساحة السياسية المحلية، الا انه ظل متابعاً لها بكل تفاصيلها الدقيقة.
بو بدر، شرح في حوار خاص مع «الطليعة» طبيعة الأمور ومجرياتها وصولاً الى المقاطعة الانتخابية والتي هي برأيه وسيلة احتجاجية سلمية تمثل رأي الأغلبية الصامتة.
ولم يكن الحوار متوقفاً عند هذا الحد فقط، بل تطرق إلى موقف القوى الوطنية الديموقراطية من انتخابات مجلس الأمة عامي 1971 و1981 وظروف المشاركة فيهما.
● ما رؤيتكم للوضع الحالي في إطار صدور مرسوم تعديل آلية التصويت والتضييق على الحريات وانتهاء بالتوقيع على الاتفاقية الأمنية؟
- الجميع متفق بأن الكويت تمر بظروف عصيبة، أوضاعها العامة تدهورت بشكل لا يمكن السكوت عنه، انهار فيها تطبيق حكم القانون وتمزق المجتمع واشتدت فيه الصراعات في ظل مخاطر إقليمية لا نعرف متى تنفجر وتجرفنا معها، والنظام يتصرف كأن هذا آخر همومه ويمضي في نهجه المدمر الذي أوصلنا إلى هذه الحال من أجل إلغاء المحتوى الأساسي للدستور واعادة حكم المشيخة.
النظام يعيد الآن صناعة الأوضاع التي ابتدأت بحل مجلس 1986 في محاولة أخرى لإلغاء الدستور، وحاول ان يفرض على الكويتيين مجلساً مسخاً هو المجلس الوطني، وحينها حدث ما حدث من احتجاجات في تجمعات الاثنين، وازدادت الفجوة بين النظام والشعب فضاعت البلاد واجتاحتها جيوش الطاغية صدام.
وإذ كنا مررنا بهذه التجربة المريرة فهل يجوز أن نستهين بالتهديدات الخطيرة التي تحيط بنا؟ لماذا يصرون على إعادتنا إلى القمقم رغم أننا خرجنا من ذلك القمقم منذ مائة عام منذ وفاة الشيخ مبارك؟ وهل يعتقدون أننا في هذا الزمن بكل هذه الحصيلة من التجارب والتعليم والوعي الذي يعم شبابنا وبكل هذا الانفتاح على العالم وفي زمن الربيع العربي ان الشعب الكويتي سيرضى ويخضع لذلك؟
انتهاك متواصل
● ومن رسم تلك الخطوات وسيناريوهات الأحداث؟
- كثير من المواطنين يقولون ان الحديث عن مخططات هو مبالغة، فالحكومات المتعاقبة حكومات ردود أفعال ولم تستطع رسم شيء أو انجاز شيء، والحقيقة أنهم تركوا كل شيء واتفقوا على هدف واحد لم يحيدوا عنه منذ وفاة الشيخ عبدالله السالم وهو عودة حكم المشيخة، ليضحوا في سبيل ذلك بكل شيء. يهدرون حكم القانون وسيادته على الجميع، فينتشر الفساد ويهتز الاستقرار ويضحون حتى بتماسك المجتمع ووحدته الوطنية وهي العنصر الاساسي في حماية البلاد من المخاطر، وقد رأيناهم كيف يحتضنون الاحزاب الدينية الأصولية التي تشيع التطرف وتمزق المجتمع، كما رأينا كيف أن أفرادا من الأسرة الحاكمة يمتلكون صحفا ومحطات تلفزيون وينشئون أخرى تخصص بعضها للهجوم على طائفة من أبناء الشعب تتهمها وتشكك في مواطنتها وانهم من أتباع حزب الله اللبناني أو الحرس الثوري الإيراني، ويخصص البعض الآخر للهجوم على أبناء القبائل، يشكك بمواطنتهم وبأصولهم ويهين قبائلهم.
وهم في سبيل ذلك ينتهكون المؤسسات الدستورية جميعها، مجلس الوزراء حولوه إلى مجلس لكبار الموظفين وليس رجال دولة يديرون البلد ويرعون مستقبله، ومجلس الأمة انتهكوه إلى درجة النواب القبيضة، وقاوموا بشدة استقلال القضاء وهي السلطة الثالثة التي ينص الدستور على انفصالها التام عن السلطات الأخرى.
هل يعقل أو يجوز أن يقوم هامة مثل المستشار فيصل المرشد وهو رئيس السلطة القضائية ورئيس المحكمة الدستورية بتقديم استقالته إلى وزير العدل وهو برتبة أحد موظفيه مع احترامنا للاشخاص؟
وهم لا يتورعون في سبيل اعادة المشيخة عن الاستعانة علينا بالاشقاء إلى درجة توقيع الاتفاقية الأمنية التي تنتهك الدستور والتي رفضتها الكويت سنين طويلة لهذا السبب.
ليست صوتا واحدا
● إذن، كيف تنظر إلى المرسوم في ظل تلك الأوضاع؟
- المرسوم يصب في مخطط السلطة نفسه ويهدف إلى انتاج مجلس «بصّام».
ولكن في اعتقادي أن الأمر أكبر بكثير من قضية صوت واحد أو أربعة أصوات، فغياب حكم القانون أجبر الناس على الالتجاء إلى قبائلهم وطوائفهم وفئاتهم الاجتماعية وعوائلهم لتحميهم ولتيسير أمورهم، وهذا أنتج مجتمعا تكونت فيه القبيلة والطائفة والعائلة أهم من الدولة، وجعل الانتخابات بأربعة أصوات ادى إلى انتخابات قبلية طائفية عنصرية، مما انتج لنا مجلساً هو أكثر المجالس تطرفاً في كل شيء، وهو ما أخاف قطاعات واسعة من المجتمع ومكّن السلطة من استغلال ذلك الخوف.
لذلك أكرر، القضية ليست صوتا واحدا أو أربعة، القضية قضية إنقاذ الكويت وإعادتها إلى المسار الصحيح، مسار حكم الدستور وحكم القانون وسيادته على الجميع حتى نعيد إشعال روح المواطنة والأمل ونعيد الأوضاع التي جعلت الكويت تستفيد من ثرواتها وتبني مستقبلا مشرقاً لابنائها وتعود للصدارة في الخليج والوطن العربي.
مقاطعة سلمية
● بوبدر، ما العمل؟
- العمل بدأ ولم نعد نتخبط، والحراك الشبابي الرائع الذي انسجمت فيه جميع شرائح المجتمع يعني أن الشعب الكويتي المسالم الصبور ليس مستسلماً وقد بلغ عنده السيل زباه وفاض. وان الشباب أخذوا على عاتقهم مهمة تصويب أوضاع وطنهم، وأنا متأكد أن هذا الحراك سيوسع اهتمامه بهدف إعادة مسار الأحداث في الكويت إلى المسار الشامل الصحيح ويتخلص أيضا من بعض الشوائب مثل محاولة استغلاله من بعض النواب.
ولقد بدأوا بحركة الاحتجاجات التي اتسعت لتضم عشرات الآلاف وبأرقام غير مسبوقة، والآن يدعون إلى المقاطعة وانا اعتقد أنه القرار الصحيح، وذلك لسببين:
الأول: لأن المقاطعة هي الأداة الأشمل والأوسع التي يمكن أن يشارك فيها جميع الكويتيين لانها تعطي الفرصة للأغلبية الصامتة، أولئك الذين يجلسون في بيوتهم او دواوينهم أو أعمالهم يتذمرون من أوضاع بلادهم المريرة وليس من طبيعتهم الخروج للاحتجاج، يعطيهم الفرصة ليقولوا للنظام كفى عبثا بمصائرنا وبأمن الكويت، ويطالبون بعودة الحكم الصحيح للدستور والقانون.
والثاني: لأنها في حال نجاحها ستعزل النظام وتعيده إلى جادة الصواب لأنه سيصبح مشيخة من دون مواطنين.
وكذلك ستعريه أمام المجتمع الدولي وخصوصاً أمام العالم الديموقراطي والدول التي شاركت بتحريرنا، وأنه نظام معزول لا يمتلك الشرعية الشعبية الدستورية. ولقد جرب النظام ذلك أثناء الاحتلال ولم يعط الاعتراف الدولي بشرعيته إلا عندما أعطاه الكويتيون تلك الشرعية في مؤتمر جدة وعلى شرط الالتزام بالدستور.
انتخابات 1971
● بوبدر.. سؤال أخير، يتردد الآن في أجهزة الاعلام وفي قنوات التواصل الاجتماعي سؤال لماذا تدعون الآن إلى المقاطعة بينما شاركتم في انتخابات عام 1971 وقد أتت بعد مجلس مزور؟
- لا يمكن محاكمة أي حدث من الأحداث إلا ضمن ظروفه الموضوعية.
في عام 1971 كانت خلفنا تجربة في الرد على تزوير انتخابات مجلس 1967، وهي أحداث لم أشارك بها شخصيا فقد كنت في الخارج.
بعد التزوير انعقد اجتماع لحركة القوميين العرب في ديوانية المرحوم عبدالمحسن المخيزيم، واتخد قرار بالنزول للشارع رداً على تزوير سافر بث أول فصوله تلفزيون دولة الكويت، حيث نقل صور الشرطة وهي تصادر صناديق الاقتراع من رؤساء لجان الانتخابات، ولكن القيادة رأت ان تبلغ حلفاءها في الانتخابات وهم التجار الوطنيون بالموقف التزاما بوحدة الصف الوطني، فطلبوا مهلة وقام المرحوم عبدالعزيز الصقر بمحاولة أخيرة اتصل فيها بأحد اقطاب السلطة، وطلب منهم مراجعة أنفسهم في إعادة إجراء الانتخابات فرفض، فأبلغه أن الأمر خطير وأن الناس سينزلون للشوارع، فقال إذا نزلوا فإننا سنقمعهم بقوة حتى لو «وصل الدم للركبة». فردوا على قيادة الحركة إنهم لا يريدون الصدام، ويرون أن أفضل طريق للرد على التزوير هو مقاطعة النظام.
فاتخذت قيادة الحركة قراراً بالاكتفاء بالمقاطعة حفاظاَ على وحدة الصف الوطني، ولكن هذه المقاطعة لم تصمد طويلاً بعد أن مارست السلطة ضغوطاً شديدة لم يستطيعوا مقاومتها.
والنتيجة أن انشقت حركة القوميين العرب وغاب صوت الحركة الوطنية عن الساحة في ظل القوانين المصادرة للحريات العامة وهي الصحافة والتجمعات والوظائف العامة.
جئنا انتخابات عام 1971 ونحن نحمل هذه الخلفية، فصممنا أن نخوض الانتخابات لاستغلال الحملة الانتخابية لنشر الوعي بين المواطنين، فجئنا ولأول مرة ونحن نحمل برنامجا انتخابيا متكاملا يعالج جميع مناحي حياتنا، خصوصاً أن الناس الذين عاشوا تزوير الانتخابات وتجربة المجلس المزور متعطشون ليسمعوا.
لكن التجار والمرحوم جاسم القطامي الذي كان يرأس التجمع الوطني الذي تفرع من الحركة أيضا كان لهم رأي آخر، وكانوا يقولون ان النظام الذي زوّر الانتخابات وامتهن الناس لا يستحق أن يستجاب لندائه للمشاركة عندما شعر بالضيق والعزلة، كان ذلك هو النقاش الذي دار في الاجتماع الذي انعقد بدعوة من يعقوب الحميضي والذي حضره عن التجار المرحوم يوسف ابراهيم الغانم والمرحوم حمود النصف وشخصية أخرى لا أتذكرها والمرحوم جاسم القطامي والدكتور أحمد الخطيب.
فقال الدكتور الخطيب «نحن نقبل بالمقاطعة وسنمتنع عن النزول ولكن بشرط أن نتفق على برنامج نلتزم به جميعاً حتى لا تتكرر تجربة 1967»، فطلبوا تأجيل الاجتماع وعندما عقد طلبوا تأجيلاً آخر، وقبل موعد الاجتماع الثالث أبلغنا عبدالعزيز حسين وكان لصيقاً بهم أنهم قرروا المقاطعة، وطلبوا منه كتابة بيان سيصدرونه بذلك، وانه اعتذر وسيسافر إلى القاهرة، وقتها اتخذنا قراراً سريعاً بالنزول وأصدرنا وبسرعة بياناً نشرناه في جريدة السياسة قلنا فيه اننا سنخوض الانتخابات وسننزل نزولاً رمزياً بأربعة نواب هم د. أحمد الخطيب وسامي المنيس وعبدالله النيباري وأحمد النفيسي. هذه هي قصة نزولنا في انتخابات 1971.
ولقد كانت حملة انتخابية رائعة ونجحنا جميعاً وقوبلت نتائج الانتخابات بفرحة عارمة وانتجت مجلساً حقق أهم الانجازات في تاريخ العمل الديموقراطي، وقد شارك التجار الوطنيون بعد تلك الانتخابات بأول حكومة.
هذا ما حدث عام 1981توقف أحمد النفيسي أمام احداث ظروف انتخابات 1981 وقال:هذا المجلس جاء بعد حل مجلس الأمة عام 1976 حلاً غير دستوري، وخنقت حرية التعبير فتوقفت الطليعة وأغلق نادينا نادي الاستقلال الذي كان نافذة الحركة الوطنية للتواصل مع الناس، وسلط علينا «الاخوان المسلمين» وأبواق السلطة، وأتى بعد محاولة تعديل الدستور عبر لجنة تنقيح الدستور وتقسيم الدوائر إلى خمس وعشرين دائرة بصوتين.قررنا النزول لذات الأسباب التي قررنا فيها النزول في انتخابات 1971 لكسر طوق خنق الحريات المضروب حولنا ولنتواصل مع الناس وننشر بينهم الوعي. ولنتذكر ان الوعي الذي نراه الآن بين الشباب والناس عموماً لم يكن موجوداً في 1971 أو في 1981 ، إذ لم نكن قد بلغنا هذه المرحلة من التعليم، ولم تكن وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي موجودة اصلاً، والاعلام المرئي والمسموع محصور في أجهزة إعلام الدولة، العالم الآن يتغير فنحن نستطيع التواصل مع العالم أجمعه بكافة الوسائل من خلال الهاتف الذي نحمله في جيوبنا، والعالم تغير ونحن تغيرنا والمقاطعة هي سلاح بالغ السلمية في متناول كل مواطن، فقد آن الأوان ان نقول للنظام كفى، خذوا كل حقوقكم التي نص عليها الدستور واعطونا كل حقوقنا حتى نعيش في وئام ونبني الوطن.
جريدة الطليعة الأربعاء 21/11/2012 عدد رقم : 1970