November 2012
25

د. بدر الديحاني: مقاطعة الانتخابات والتوافق المرحلي.

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

الاصطفاف السياسي والشعبي الحالي المعارض لانفراد الحكومة بتعديل قانون انتخابات مجلس الأمة (آلية التصويت)، والداعي إلى مقاطعة الانتخابات القادمة ترشحاً وتصويتاً هو اصطفاف سياسي وشعبي واسع وغير مسبوق في تاريخ الكويت، سواء من ناحية طبيعة التنظيمات السياسية والشبابية والقوى الاجتماعية المشاركة فيه، التي تشمل مكونات المجتمع كافة، أو من ناحية حجمه وسرعة تشكله وقدرة القوى المشاركة فيه على التحرك الميداني والحشد الجماهيري، وهو ما ينبئ بنجاح المرحلة الأخيرة من مقاطعة الانتخابات، وهي مرحلة التصويت في الأول من ديسمبر، ما أجبر المرشحين ودعاة المشاركة في الانتخابات إلى الترويج لفكرة "الورقة البيضاء" أملاً منهم في رفع نسبة المشاركة، حيث إن أي ورقة توضع في صندوق الاقتراع تحسب ضمن نسبة المشاركة في الانتخابات سواء كان التصويت سليماً أم باطلاً.وفي السياق ذاته، فإنه من الملاحظ أن فئة الشباب تشكل النسبة الغالبة في الحراك الشعبي الحالي المطالب بالتمسك بالدستور والإصلاح السياسي والديمقراطي، وهو ما يبين أن جيل الشباب قد تشبع من الحديث النظري المكرور والممل حول احترام الدستور والمؤسسات الدستورية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص والعدالة والمساواة، بينما يرى عكس ذلك على أرض الواقع، لهذا فإن جيل الشباب لن يرضيه سوى البدء بتنفيذ مشروع الإصلاح السياسي والديمقراطي بخطوات عملية ملموسة بعد أن سئم الكلام النظري المرسل الذي يتناقض مع الواقع الفعلي.وبالطبع فإن الاصطفاف السياسي المرحلي أو التوافق العام حول قضية محددة أو مطلب معين بين قوى وتيارات وتكتلات بينها اختلافات فكرية وسياسية لا يعني بأي حال من الأحوال انتهاء الاختلافات الفكرية والسياسية، أو عدم وجود تباين في وجهات النظر حول تفاصيل إدارة المرحلة، بل كل ما في الأمر أن الخلافات الفكرية والسياسية مؤجلة لما بعد تحقيق الهدف الذي دعاها إلى التوحد لأن الانشغال في القضايا الفرعية والتفصيلية في هذه المرحلة يشتت الجهود، ويكون على حساب تحقيق المطالب أو الأهداف المتوافق عليها، وخير مثال هنا ما يحصل في أوروبا حالياً، حيث توحدت قوى سياسية مختلفة ونقابات عمالية ومنظمات مجتمع مدني ضد سياسات صندوق النقد الدولي أو ما يسمى "سياسة التقشف الاقتصادي".من هذا المنطلق، فإن التوقف كثيراً وتكرار الحديث التفصيلي الممل في هذه المرحلة السياسية الحرجة التي يمر بها بلدنا عن القضايا الخلافية بين الكتل البرلمانية أو القوى السياسية في مراحل تاريخية سابقة لا يخدم إطلاقاً الحراك الشعبي الحالي، بل إنه يضعفه ويصب في نهاية المطاف في مصلحة منظومة الفساد السياسي التي يهمها تفكك الاصطفاف السياسي والشعبي المطالب بحزمة إصلاحات سياسية جذرية وشاملة، والذي يعارض حالياً انفراد الحكومة بالقرار ويدعو إلى مقاطعة الانتخابات ترشحاً وتصويتاً.المقاطعة السياسية للانتخابات العامة تعتبر أسلوباً حضارياً سلمياً متبعاً في الكثير من الدول الديمقراطية كأداة ديمقراطية للاعتراض السياسي، الغرض منها عدم إعطاء شرعية سياسية للانتخابات البرلمانية، وبالتالي إخلاء المسؤولية السياسية مما سيترتب عليها من نتائج وآثار وتداعيات.وفي هذا السياق فإنه من المعروف عالمياً أنه كلما قلت نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات العامة عن 50% (أقل نسبة مشاركة في الكويت كانت 52% في مجلس 1971) ضعفت، بالتالي، الشرعية السياسية للبرلمان من ناحية صدق تمثيله للأمة. صحيح أن ضعف المشاركة الشعبية في الانتخابات العامة ليس بالضرورة أن يترتب عليه إلغاء الانتخابات العامة لكنه مؤشر قوي جدا على ضعف أو اهتزاز الثقة الشعبية بالبرلمان والحكومة أيضا، ويزداد الأمر سوءاً إذا كان ضعف المشاركة الشعبية قد أتى كنتيجة مباشرة لاعتراض قوى سياسية ومدنية وشبابية مؤثرة وإعلانها المسبق عدم مشاركتها في الانتخابات، وهو الأمر الذي من الممكن أن يترتب عليه تبعات سياسية ليست على المستوى المحلي فحسب بل على المستوى العالمي أيضا.والآن وحيث إن مقاطعة الانتخابات القادمة هي أحد المواضيع الساخنة المطروحة حاليا في ساحتنا السياسية، والتي بدأ تطبيقها فعليا الأسبوع الماضي أثناء عملية الترشح للانتخابات، فإن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن هو: ترى هل ستنجح حملة المقاطعة؟ قد يكون من السابق لأوانه الإجابة بشكل دقيق ونهائي عن هذا السؤال، لكن وعلى الرغم من ذلك فإن جواب هذا السؤال يصبح سهلا للغاية لو أخذنا في الاعتبار تركيبة "جبهة المقاطعة" وقوتها السياسية وانتشارها الشعبي وقدراتها التنظيمية والميدانية (تتكون من قوى سياسية فاعلة ومؤثرة "جميعها تقريبا" قوى شبابية وشعبية واجتماعية لها قواعدها الكبيرة بالإضافة إلى بعض قوى المجتمع المدني والنقابات والاتحادات العمالية والطلابية). لقد اتضحت أول معالم نجاح حملة مقاطعة الانتخابات أثناء مرحلة الترشح للانتخابات التي انتهت الجمعة الماضية، حيث قاطعتها القوى السياسية والشبابية والاجتماعية كافة (باستثناء القوى السياسية ذات المرجعية "الشيعية") بالإضافة إلى بعض الشخصيات السياسية والمعروفة تاريخياً بقربها من الحكومة، وهو الأمر الذي من الممكن الاستناد إليه للتنبؤ بإمكانية نجاح مقاطعة مرحلة التصويت (الاقتراع العام) في الأول من ديسمبر القادم، وهي المرحلة الأهم التي ستتضح بعدها نسبة المشاركة الشعبية في الانتخابات العامة. أما ماذا سيترتب على نجاح عملية مقاطعة الانتخابات العامة؟ فهذا سؤال سنحاول الإجابة عنه في مقال قادم.د. بدر الديحانيمنقول عن جريدة الجريدة تاريخ ٢١/١١/٢٠١٢