October 2015
2

عندما تكون خيانة الرفيق، ثقافة

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

«من نكد الحياة على المرء أن يعيش أياماً طويلة وهو لا يستطيع التمييز بين من هو صاحبه ومن هو عدوه»... ولعل هذه الحالة هي أبرز مظاهر التغيير الحقيقي (التحول) أو ما نطلق عليه بين الفينة والأخرى أسم "المخاض" وذلك عندما تمر على الناس أيام مؤلمة وأزمات متتالية تُبدل الفرد الصادق من كونه ثائر إلى انسان حائر، وكما تقول العرب "في الأزمات تسوء أخلاق الناس"، ثم تنتج علاقات جديدة وأخلاق جديدة تتناسب مع طبيعة المرحلة أو الواقع الجديد. فلا يصح أن نطلق على أي حالة بأنها ثورية تغييرية طالما بقيت العلاقات مكررة والأخلاق كما هي والناس لم تتغير ... إن مجرى حركة الجماهير تسير باندفاع موجه وأي اعتراض لطريقها تحت مسمى الثبات يولد حالة من النزاع بين الحركة والثبات (السكون)، وفي حال نجاح ثبات الزعماء فوق حركة الجماهير واعتراضها سيولد جواً من التفكير المغلق والخوف والقلق واعتناق الأفكار بالإكراه وتحت تهديد الواقع لا بمحض إرادة وقناعةففي أحدى جلسات محاكمة صدام حسين أبلغ شيخ عشيرته بأن الذي وشى بمكانه للأمريكان هو اللواء كمال الدوري وكان هدف صدام بعد سجنه وهزيمته أن لا تسوء الظنون بين عشيرته ويبدأ الاحتراب وهو تفكير سليم، ولكن ذلك بعد فوات الأوانفالظن أو ما يطلق عليه في الفلسفة: الشك وهو مبحث علمي يبدأ بالظن وينتهي بعقل حر وهو بوابة التفكير الحر الذي لطالما كان ممنوعاً في ظل أنظمتنا السياسية والاجتماعية فيضطر أحدنا إلى اعتناق أفكار لا يؤمن بها وإن أظهر غير ذلك لمساعي مصلحية ضيقة ومتى ما حانت له الفرصة فأنه ينقلب على الفكرة و رفاقها أو يخون رفاقهإن خيانة الرفيق هي نتيجة أو محصلة لعلاقات قامت على أسس هشه وبظروف مشوهة وهي في جوهرها خيانة المبدأ المزيف فالخيانة لا تأتي إلا من خلال هؤلاء الذين لا توجد بينك وبينهم فكرة تتقاسمون الإيمان بها والإخلاص لها والموت من أجلها. فمع مرور الوقت تصل تلك العلاقة المزيفة و التي نشأت في أجواء التفكير المغلق إلى انسداد في أفق الرؤى المشتركة، تتزامن مع صعود حالة ثورية في العلاقة ينتج عنها سيل من التناقضات. فتكون النتيجة الطبيعية هي الخيانةالأمر المعزز الاخر هو الفردية في العمل وغياب الصيغة الجماعية والسعي للمجد الشخصي على حساب كل قيم ومبادئ الجماهير وأفكارها والحسابات الشخصية على الحسابات العامة الموضوعية مما يخلق حالة من الانفراد بالرأي ينتج عنه وهم التحدي والدخول في أجواء المعركة الوهمية لإنجاح الرأي المنفرد وعدم إفشاله وإفشال المجد الشخصي لصاحبه... ولدينا في تاريخنا العربي تراث متراكم من الخذلان والخيانة والجروح إلا أننا مازلنا ننساق وراء كل كاريزما تسحرنا في حضورها ويكون خطابها لاذع وبارع دون أن نظن أو نشك أو نهز جذع نخلة الرأس لتتساقط الأفكار القديمة الساكنه في العقل الباطن، ونبحث بين كلماته وتناقضاته ومواقفه ونعرضها على محكمة العقل ونقرأ بعقل حرفأصبح لكل زعيم أنصار يهتفون له ويسبحون بحمده، وليس من مصلحة هذا الزعيم أن يتطور هؤلاء ويتحررون أو أن يعتقهم، لأنه سيبقى وحيداً... باستثناء الزعماء الذين كسبوا أنصارهم من خلال أفكارهم فهولاء يحققون منفعة عامة للناس ويمكثون بالأرض وتبكي الناس على رحيلهم، ففي العقود الأربعة الماضية مارست غالبية الفصائل السياسية العربية سياسة شبيهة بأنظمتها القمعية وهي شماعة العدو الخارجي فاستحدث الرموز شماعة المؤامرة عليهم وأن أي أنسان يخالفهم أو ينتقدهم أو يبدي رأياً أخر فهو مدسوس ومخبر وجاسوس والخ ضاربين بطول السقف وبعرض الحائط كل حديثهم عن الرأي والرأي الاخرفأن فسْل الرجال هم الذين لا مشروع لهم ولا مروءة وأصبحوا بصدفة من التاريخ يشكلون رمزية ما، وما أن تطلق لعنانك حق التفكير الحر في تاريخهم تجدهم سراباً لا تستفيد منه شيئاًأما الأمر المعزز الثالث فهو أن الثوابت والمسلمات والرموز مُقدسة لدينا ومعصومة. نتناقلها عبر الأجيال دون عرضها على العقل والظروف والواقع ودون فحصها ومعرفة مدى انسجامها، حيث أصبحنا أسرى لأفكار قديمة ورؤى جامدة وأساليب وأدوات لم تعد صالحة وكأننا وضعنا في أذهاننا واقعاً منفصلاً عن واقعنا وننشد تركيبه على كل حركة نسير بها مما يخلق حالة من البلاهة المؤدية للخيانة ودافعها الحمقإن تلك المعززات الثلاثة انطلاقاً من نوعية التفكير مروراً بالفردية و وصولاً إلى المسلمات هي الداء والدواء لأزمة خيانة الرفاق، ولطالما كان هناك ما يسمى بالحقد النبيل على الطغيان والديكتاتور لأنهما يعبثان بإرادة الانسان وكرامته، فيجب أن يشمل هذا الحقد هؤلاء الزعماء الذين اعترضوا مجرى حركة الجماهير فيفتعلون الخيانة لأفشال مبدأ رفاقهم ويكفروا الناس بمشروعهم ويكشفون عن عدم أيمانهم بتلك المبادئ منذ بداية العلاقة. أن تغذية هذا الحقد ضد هولاء الزعماء رأس كل حكمة والزعيم الذي يسير مع مجرى حركة الجماهير ويوجهها نحو مصالحها ومعركتها الرئيسية هو ذلك الذي لابد أن يحظى باحترام وثقة وقرار الجماهيروكما يقول أبو فراس الحمداني : هيهات، لستُ " أبا فراس " ... إن وفيتُ لمن غدر ! فإن مكافحة الخيانة تأتي عبر الفضح والتشهير بهؤلاء الخونة حتى لا تكون الخيانة ثقافة مجتمع وقيمة تنشأ عليها الأجيال القادمة وتصبح جزءاً صلباً ومتماسكاً من عاداتنا وتقاليدنا ثم تحقق عائداً من الجاه والسلطة والحظوة، ونتسابق ونتنافس بها لكي نكون أفسل الرجال . فليست الخيانة فاجعة ولا تبريرها مؤلم ولكن الكارثة التي تصيب المجتمع بأسره هي عندما تكون الخيانة ثقافة مجتمع ونقول لأجيالنا القادمة أن أردت أن تكون ناجحاً كن خائناًبقلم عضو التيار التقدمي الكويتي الزميل أنور عراك الفكر٢ اكتوبر ٢۰۱٥