May 2013
26

عبدالهادي الجمّيل: ديك غيور ولا وزير متهاون!!

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

قصة حقيقية تقريبا، رواها لي صاحبها شخصيا، فاستأذنته بكتابتها والتصرّف ببعض تفاصيلها كما تتطلب الكتابة الساخرة.

يقول:

في ظهيرة أحد أيام الجمعة؛ ذهبت لأصلّي في جامع تم افتتاحه مؤخرا، فوجدت بجواره منزل فخم شارف على الاكتمال. وعندما خرجت من الصلاة شاهدت صاحب المنزل، ولأنني كنت أبني منزلي الجديد، فقد استأذنته في اصطحاب زوجتي لمشاهدة بيته من الداخل، فرحّب كثيرا وقال بأن المنزل بلا أبواب حاليا وليس به أحد وبإمكاننا الحضور متى شئنا.

استغربت من خلو المنزل وعدم وجود الأبواب لحمايته من السرقة، ولم أكتشف السبب إلّا لاحقا!

توجهت وزوجتي، عصرا، إلى المنزل، وما أن ولجنا الصالة الفسيحة حتى انفلت علينا من إحدى الغرف؛ شيء أبيض يُصدر صوتا مزعجا! لم نتبيّن ماهو إلّا عندما قفز، كالنينجا، مستهدفا وجهي، فإذا بديك أبيض ضخم الجثة يبدو أنه نتاج تزاوج نعامة بطائر الرخ الأسطوري، له عُرف أحمر يفوق حجمه حجم كف الرجل البالغ!

ضربته بقبضتي فتفاداها بخفّة يُحسد عليها، ثم لطمني بجناحيه القويين عدة لطمات متتالية قبل أن يغرز إبرته الحادة في كف يدي اليمنى فأصابني بألم شديد، ثم كرّ باتجاه زوجتي التي كانت قد انزوت بعيدا واكتفت بمراقبة المشهد المؤلم الذي يبدو أنه قد راق لها كثيرا!

وعندما اقترب منها قام الديك بقفزته الاستعراضية فأشبع وجهها صفعا وخدّيها لطما وفمها ريشا، بطريقة احترافية محكمة جعلتني أشك بأنه ديك تايلندي، تسلل إلينا حديثا، بعد أن تقاعد من حلبات مصارعة الديكة التي تكتظ بها شوارع بانكوك الخلفية!

هربت زوجتي الى الخارج والديك يجدُ في أثرها كفهد سهول "سيرنغيتي" الإفريقية، حتى لاذت بالجامع، وهي تصرخ" من دخل بيت الله فهو آمن".

انتهزتُ الفرصة فتسللت للنجاة بنفسي، غير أن الديك اللعين فطن لمخططي، فعاد سريعا وقطع الطريق أمامي، فتوقفت مُكرها! نظر إليّ شزرا فحدجته بنظرة تحدّي تُظهر شجاعة لم تعد موجودة فعليا. وجدت كرسيا فحملته وجعلت قوائمه بمواجهته على طريقة أهل السيرك عند ترويض الدببة والأسود.

صرخت بزوجتي: "يا ام فهد تعالي شتتي انتباهه شوي عشان أنحاش"، فردّت بتشفّي: "ما شفتك شتّت انتباهه قبل شوي وهو يكفّخني! أقول دبّر نفسك بس". فعزمت على تطليقها إذا الله أنقذني من هذا الديك.

قررت استخدام الحيلة والمكيدة، فاستدرجت الديك الشرير الى داخل المنزل مجددا، واخترت المطبخ مكانا للمنازلة الفاصلة لأنه المكان الوحيد الذي تخشاه الحيوانات الداجنة رغم إيماني المطلق بأن هذا الديك لم يكن داجنا قط!

أومأت بعقالي باتجاهه كي يبتعد عن باب المطبخ ولكنه ظل متشبثا بمكانه دون أن يرف له جفن أو تهتز له ريشة واحدة، فأيقنت بأنني في ورطة حقيقية.

ازدردت ريقي بصعوبة ونظرت عبر النافذة باحثا عمّن ينجدني، فرأيت زوجتي محتمية بأسوار الجامع، فصرخت بها: "أذّني بميكرفون الجامع واستفزعي بالمسلمين، فهذا والله يوم "دفع الصائل".

قالت: "واذا افزعوا المسلمين زرافات ووحدانا وعلى كل ضامر ومن كل فج عميق، شقول لهم؟ اقول: افزعوا لرجلي بيذبحه الديك؟ ما أرضاها لك يا بوفهد"!

قلت لها: قتلتني قتلك الله.

كفست كمومي وربطت ثوبي حول خصري وغطيت وجهي بغترتي كي أحمي عيني من شر إبرته اللعينة ثم هجمت عليه راجزا: أمّا حياة تسر الصديق وأمّا ممات يغيظ الديوك.

ارتفع الملعون في الجو،كالعادة، وبدأ بتكفيخ وجهي مجددا، جريت نحو سيارتي محاولا فتح بابها، غير مكترث بصفعات ولكمات الديك المتشبث برقبتي من الخلف!

فتحت الباب بصعوبة وارتميت على المقعد كي ألتقط أنفاسي في حين ظل الديك يدور حول السيارة تارة ويقفز فوقها تارة أخرى محاولا اكتشاف ثغرة ينفذ منها إليّ، فقلت: أشكر الله الذي لم يمنح الديوك مخالبا وأنيابا.

وأشرت له نحو زوجتي محاولا تحريضه ضدّها، لكن اللعين لم يستجب!!

أركبت زوجتي السيارة واتجهنا الى مسكننا ولم نتبادل الحديث خلال العودة، فقد نجح الديك في إحداث شرخ عميق في علاقتنا الزوجية.

بعد عدة أيام شاهدت صاحب المنزل فسألني عن رأيي في منزله، فأخبرته بما حدث، فضرب جبهته بكفّه وتأسف لي لأنه نسي أن يخبرني عن الديك!

أخبرني بأنه تفاجأ، قبل شهر مضى، بهذا الديك رابضا تحت حائط منزله، ويبدو أنه كان متربصا بأحد أبناء الجيران ليخطفه. فطرده شر طردة، لكنه عاد فيما بعد واقتحم منزله واستحلّه بوضع الجناح، فقام بسقايته وإطعامه لعدّة أيام، فأصبح حارسا للمنزل، وأظهر مهارة عالية في ذلك، ما جعله يصرف النظر عن استئجار حارس أُنسي لمنزله"!

أشدت بوفاء الديك وشجاعته وحرصه على ممتلكات سيّده، وسألته: هل ممكن أن نستعير ديكك المبجّل في مهمة وطنية ملحّة؟

فسألني عن نوع هذه المهمة؟

فقلت: نريده وزيرا للماليّة.

عبدالهادي الجمّيل

عضو في التيار التقدمي الكويتي