تغطية جريدة الطليعة الكويتية لندوة «أسلمة القوانين» في جميعة الاصلاح والتي تحدث فيها الزميل الديين و د.الخنه ود.الدويلة
كتب مصطفى البيلي:أكدت أحداث الندوة، التي جمعت أحد نشطاء التيارات اليسارية الكاتب أحمد الديين مع اثنين من رموز التيار الإسلام السياسي - حدس والسلف - النائبين السابقين مبارك الدويلة ود. فهد الخنة، أن الفجوة ما زالت كبيرة جدا بين التيارات التقدمية والتيارات التي تتخذ الإسلام شعارا لها، فشتان بين وجهتي النظر اللتين عرضهما الفريقان حول موضوع «أسلمة القوانين»، وهو عنوان ندوة ضمن سلسلة ندوات في إطار مؤتمر ملتقى الشريعة. فقد تحدَّث الديين من وجهة نظر دستورية، مستشهدا بمواقف تاريخية برلمانية مشابهة، كان الانتصار فيها للدستور والحريات، وأكد أنه لا يجوز انفراد فصيل ما بتعديلات دستورية وتهميش بقية المجتمع، على حساب الحريات الشخصية،في حين كانت حجج وأسانيد الطرف الآخر - التيار الإسلامي - بعيدة كل البعد عن هذا الطرح، إذ تمسَّكت بالنصوص الشرعية والفقهية، ليؤكدا من خلالها أن تطبيق الشريعة الاسلامية أمر واجب، وعلى الجميع أن يسعى جاهدا إلى ذلك.اللغة العربيةوأشار الديين إلى أن المادة الثانية جاءت مثبِّتة للدولة، وانعكاسا للهوية الحضارية، كما أكد الدستور أيضا أن اللغة العربية هي لغة البلاد، فلا أحد يُنكر أن المجتمع الكويتي مسلم، أو يشكك في لغته، مشيرا إلى أن المشرِّع الكويتي جعل الشريعة مصدرا رئيسا، وليست المصدر الوحيد، وجاءت المذكرة التفسيرية مكملة لتلك المادة، بعد مناقشات عديدة دارت في المجلس التأسيسي للدستور، على عكس الوضع بالنسبة للأمور المتعلقة بالميراث، الذي جعله حقا تحكمه الشريعة الإسلامية، وليس مصدرا رئيسا له. وعن تنقيح الدستور، سواء في ما يتعلق بالمادة الثانية أو المادة 179، أو أي مواد أخرى، قال الديين إن هناك شروطا إجرائية للتنقيح، والكل يعرفها، وهي تنتهي بموافقة سمو أمير البلاد على تلك التعديلات، بعد رفعها من مجلس الأمة، وفي المقابل هناك قيود موضوعية أخرى مقررة في المادة 175 من الدستور، تؤكد أن أي تعديلات لا بد أن تكون للمزيد من الحرية والمساواة، وإن لم يراع ذلك، فسيصبح التعديل مناقضا للدستور. وأكد الديين أنه لا يمكن أن يُسن قانون، حتى لو كان بإجماع المجلس، ينتقص من مبدأ المساواة، وفقا للمادة 29 من الدستور، والتي تنص على أن «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم، بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، كذلك المادة 30 التي تعني أن «الحرية الشخصية مكفولة»، بالإضافة إلى المادة 35 أيضا التي تنص على أن حرية الاعتقاد مطلقة. ومن خلال المبدأ الدستوري الذي يؤكد أن حرية الاعتقاد مطلقة والحرية الشخصية مكفولة، قال الديين: لا يمكن أن نحدد لأي شخص عن طريق سن قانون ديانته أو نوع عبادته ونجبر على ذلك، ولكن في المقابل يحق للقانون أن ينظم بقية الحريات، كحرية التعبير والتجمع والصحافة وغيرها.مزايدة سياسيةوتساءل الديين: هل تنقيح المادتين الثانية و79 من الدستور يمس بالحريات والمساواة أم لا؟ إن كان ذلك التنقيح يمس بها، فهذا غير دستوري، وإذا كان يبقيها كما هي عليه، فذلك لا معنى له، على اعتبار أن التنقيح لم يأتِ بجديد، وإن كان سيزيد من الحرية والمساواة، فهو بمنزلة أمر لا بد منه، معتبرا أن تعديل هاتين المادتين مزايدة سياسية وشعارات للتكسُّب الانتخابي.لا رقابة مسبقةوضرب الديين مثالاً بالعبث التشريعي الذي يأتي بصنيعة مغلفة بالاعتبارات الانتخابية بقانون الانتخاب، الذي اشترط الالتزام بالقواعد الشرعية للمرأة أثناء الانتخاب والترشح، بالاضافة إلى تعديل قانون الجنسية، الذي اشترط أن يكون الحاصل على الجنسية مسلما، مؤكدا عدم وجود دولة في العالم، بما فيها إسرائيل، تشترط ديانة معينة لمنح الجنسية، مؤكدا أن ذلك لغو، لأن النصوص يجب أن تكون محكمة ومطابقة للدستور. وأضاف الديين أنه في حالة إقرار تعديل المادة 79 من الدستور من الجهة التي ستحدد مدى مطابقة القوانين للشريعة الإسلامية؟ لافتا إلى عدم وجود ما يُسمى بالرقابة المسبقة على القوانين في العرف الدستوري، وان فتح هذا الباب سيكون سببا في فتح أبواب كثيرة غير دستورية، كونها ستضع سلطة رقابية غير منتخبة على السلطتين، التشريعية والتنفيذية. ورأى الديين حتمية أن تستفيد الكويت من التجارب الإسلامية الأخرى في تركيا وماليزيا وتونس والمغرب، التي اهتمت بالإصلاح وتنمية الاقتصاد والقضاء على البطالة، ولم تلتفت إلى أمور هامشية خلافية لا طائل منها، مؤكدا أن رفع عدد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي شعار «أسلمة القوانين»، بمنزلة عنوان كبير وتساؤل يحتاج إلى تقديم إجابات وافية للمواطنين ورجل الشارع العادي.الرغبة الأميريةمن جانبه، قال النائب السابق مبارك الدويلة إنه لا يوجد بين الإسلاميين من يطالب بالتغيير بالقوة، نحن نتبع الخطوات الدستورية في ذلك، مؤكدا أن الإسلاميين نجحوا في أكثر من مرة في الوصول إلى العدد المطلوب لتعديل المادة الثانية، لكن كانت تصطدم تحركاتهم مع الرغبة الأميرية الرافضة للتعديل، مؤكدا أنه بذلك أصبحت قضية المادة الثانية وتعديلها بمنزلة إبراء ذمة أكثر منها أي شيء آخر. وأضاف: وبسبب ذلك، اتجهنا كإسلاميين إلى تعديل المادة 79 من الدستور، لأن الدين الإسلامي أصبح أمرا ثانويا في التشريعات التي يتم إقرارها، فالأقلام العلمانية نجحت في تخويف المواطنين من تطبيق الشريعة، كما لو كان هناك الملايين تم قطع أيديهم، مؤكدا أن الشريعة الإسلامية مرنة، ولكن هناك من يعرضها بشكل مشوَّه، بسبب سيطرة ما أسماهم بـ«العلمانيين» على وسائل الإعلام. من جانبه، قال د. فهد الخنة - الذي استغرب تواجد «الطليعة» في جمعية الإصلاح أثناء حديثنا معه بعد نهاية الندوة - إن المخاوف الحالية في الوطن العربي من أسلمة القوانين وتطبيق الشريعة هي مخاوف مشروعة، وعلى من يحمل ذلك المشروع تقديم ضمانات وتطمينات كافية. وأضاف: يتكلم بعض الإسلاميين عن مبادئ سيادة الأمة، ثم يأتي فكر آخر، ليؤكد أن الشورى غير ملزمة ويطرح نفسه كمشروع.. لذا، علينا كإسلاميين أن نجيب عن أسئلة كثيرة يطرحها الشارع الكويتي. وأكد الخنة أن الطرح الإسلامي في الكويت متزن، على عكس الطرح الإيراني أو السوداني، مشيرا إلى أنه ليس بالضرورة أن تؤدي الثورات إلى الحريات، ولكنها قد تسفر عن سرقة اللصوص لها، متمنيا ألا تختلق التيارات الإسلامية المعارك الثانوية.. كالحجاب وغيره، مؤكدا أن المهام المطلوبة هي أن يقود الإسلامي الدولة بعقلية الدولة، لا بعقلية إدارة المسجد، ولا يتحدث في الدين ويتخذه وسيلة للهروب من المسؤولية.التزام الديينأقيمت الندوة في مسرح عملاق بجمعية الإصلاح الاجتماعي، بعدما تأخرت عن موعدها ساعة ونصف الساعة تقريبا، بسبب عدم تواجد المحاضرين، سوى الكاتب أحمد الديين، الذي حرص على الحضور قبل الموعد، على شكل مناظرة بين الطرفين، في إطار ما أسماه الديين بتواصل الحوار بين مختلف الاتجاهات، والذي رأى أنه أمر مفيد، طالما كان مبنياً على احترام الآخر.ندوة ضروريةالتقت «الطليعة» بعد نهاية الندوة الخبير الدستوري شفيق امام، فأكد أن هذه الندوة كانت ضرورية، لإزالة اللبس حول تعديل المادة الثانية والمادة 79، وأن المادة الثانية ليست لها علاقة بعقيدة أي شخص أو بتكفيره أو التشكيك في دينه أو معتقداته، كونها تتكلم عن فقه إسلامي، وهو فقه بشري توقف منذ عام 244 هـ، بوفاة آخر الأئمة الأربعة الكبار، الإمام أحمد بن حنبل، ومن جاء بعدهم كانوا مقلدين لهم وليسوا مبدعين. وأكد امام ضرورة أن نجاري العصر، وأن نطلق حرية المشاركة، وأن نأخذ من الشريعة الإسلامية من نراه مناسبا لمجتمعنا ولمقتضيات العصر، ونترك ما لا يناسبنا، مدللا على صدق كلامه بما حدث عام 1981 عندما ألغى مجلس الأمة الذي كان يسيطر عليه التيار الإسلامي العمل بـ«مجلة الأحكام العادية»، وهي ما يعادل مجلة لأحكام الشريعة الإسلامية، واستبدلها بقانون «الأحوال المدنية» صدر بمرسوم أميري عام في عام 80. ورأى امام أن الحل الأمثل في إنهاء الخلاف الدائر حاليا حول أسلمة القوانين، هو قيام منظمات المجتمع المدني بدورها الحقيقي في توعية المواطنين، بالإضافة إلى إيصال مبادئ الشريعة الاسلامية لرجل الشارع العادي التي سيتقيد بها، على أن تكون تلك المبادئ محددة تحديدا واضحا، حتى لا ننحرف بالسلطة التشريعية عن مسارها، وعن الغاية التي تبتغيها، وهي خدمة الأمة.*المصدر جريدة الطليعة الكويتية : عدد 1938 الموافق الأربعاء 28 مارس 2012