June 2011
12

الإصلاحات التي لا يمكن للأنظمة الوراثية العربية تجنبها

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

واشنطن بوست - صفحة A1928 ابريل 2011

كانت دول مجلس التعاون الخليجي الست في العقود الأخيرة هي ركيزة الاستقرار في منطقة خطيرة، إلا أن التغيرات السياسية التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن، تركت أثراً واضحاً على هذه الدول، ويبدو ذلك في مملكة البحرين، وسلطنة عمان، وكذلك لم تكن بقية دول المجلس، وهي السعودية ، الكويت ، الإمارات ،وقطر، ببعيدة عن هذا التأثير. وهذا يستدعي أن تدرك أنظمة الحكم في منطقة الخليج أبعاد تداعيات "الربيع العربي." حتى الآن مازالت مظاهر الاحتجاجات في دول مجلس التعاون الخليجي تقتصر إلى حد كبير على الدعوة للإصلاح الداخلي ولم تتعد ذلك إلى المطالبة بتغيير أنظمة الحكم. فالأنظمة الحاكمة في الخليج تتمتع بقدر كبير من الشرعية لما كان لها من دور ايجابي خلال الأحداث المهمة التي مرت بالمنطقة منذ اكتشاف النفط وما تبعه من تحولات اقتصادية، ونهاية عهد الاستعمار، وظهور العولمة وما خلفته من آثار اجتماعية. وفي الوقت نفسه، نجد أن الحكام في منطقة الخليج استطاعوا مواجهة الأزمات التي مرت بها المنطقة كالثورة الإيرانية، والحرب الإيرانية- العراقية التي استمرت على مدى ثماني سنوات، وغزو الكويت، و احتلال العراق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. فهذه الأسر الحاكمة التي قادت مجتمعاتها بحكمة إلى عتبات العصر الحديث تستحق التقدير والعرفان. لكن سيكون من غير المعقول الآن الاعتقاد بأن ما كان مقبولا في الماضي يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية. فالربيع العربي قد فتح الباب لعهد جديد من العلاقات السياسية في منطقة الشرق الأوسط، ودول مجلس التعاون الخليجي لا يمكن أن تبقى بمعزل هذه المتغيرات . والعقد الاجتماعي الذي حدد منذ فترة طويلة إطار العلاقة التي تربط بين الحكام والمواطنين، والذي ينص ضمنا على التنازل من جانب الشعوب عن السلطة السياسية في مقابل الرخاء الاقتصادي، قد أوشكت صلاحيته على الانتهاء، وكذلك فقدت التقاليد القبلية التي كانت من أهم عوامل دعم السلطة في دول الخليج فعاليتها. فالشعوب الخليجية هي في مرحلة تمهيد الطريق لعملية إعادة تقييم لمفهوم العلاقة بين الحكام و شعوبهم، وذلك بما تطرحه من مطالب شرعية تدعو فيها إلى الحصول على مزيد من الحقوق والمشاركة السياسية. إذا كانت الأسر الحاكمة في الخليج تريد الحفاظ على شرعيتها فإنه لابد لها من أن تتفاعل بسرعة مع الظروف المتغيرة وتبادر إلى القيام بإصلاح سياسي واسع وحقيقي يتجاوب مع تطلعات شعوبها. فالأحداث تتسارع، وأي تلكؤ يمكن أن ينعكس سلبا على سلطتها. الجهود السابقة التي بذلتها دول مجلس التعاون الخليجي لتوسيع المشاركة السياسية لم تكن كافية. فمجالس الشورى أو البرلمانات شُكِلت من قبل الأسر الحاكمة وذلك بغرض ترسيخ سلطة الحكام وخدمة مصالحهم. وإذا استثنينا التجربة الكويتية التي حظي فيها البرلمان، إلى حد ما، بدور فاعل في الحكم، فإن المبادرات الشكلية التي اتُخِذت من أجل الإصلاح في باقي دول الخليج لا ترقى إلى الحصول على الرضا الكامل من الشعوب، حيث أنها تقوم على مبدأ الانتقاء من قبل السلطة ولا تمثل الصوت الحقيقي لأبناء الوطن. وكذلك ظلت أهم مناصب السلطة، من منصب رئيس مجلس الوزراء إلى الوزارات السيادية الأخرى، تحت سيطرة الأسر الحاكمة. وبذا يتضح أن السلطة الحقيقية بقيت محصورة في يد هذه الأسر. المواطن الخليجي اليوم غني من الناحية المادية ولكنه فيما يتعلق بالناحية السياسية فهو فقير. فالحوافز الاقتصادية التي أعلنت عنها الحكومات منذ بدء الاحتجاجات في هذا العام سوف يتضح في النهاية أنها غير مجدية، حيث أنها لا تعالج بأي حال من الأحوال المشاكل الهيكلية في البنية الاقتصادية لدول الخليج: فهي لا تشكل حلا جذريا لمشكلة ارتفاع معدل البطالة، كما أنها لا تضيق الفوارق في توزيع الثروة بعد أن نمت بشكل كبير في العقود الأخيرة. ومع ذلك فإن الكثير من المواطنين الخليجيين راضون بالوضع الاقتصادي الذي توفره لهم دولهم، إلا أن المزيد من هذه المعونات لا يلبي مطالبهم الحقيقية والتي تتمثل في زيادة المشاركة السياسية. أنظمة الحكم في الخليج التي تأمل أن تستمر سلطتها لابد لها أن تسن قوانين تستجيب من خلالها لمطالب شعوبها بالمشاركة الفاعلة في حكوماتهم، والالتزام بالشفافية والمساءلة القانونية. فالخطابات التي تقدم وعودا مبهمة غير واضحة لم تعد تفي بالغرض. لذا فإن الأنظمة الحاكمة في الخليج لابد أن تستحدث آليات دستورية تكفل بها حق الشعب في حرية التعبير عن الرأي، كما تضمن تحقيق سيادة القانون وتوسيع المشاركة السياسية، وهذا يعني المبادرة بتفعيل دور المؤسسات التشريعية في المستقبل القريب. ومن المبادرات الأخرى الممكنة أيضا في هذا السياق ترشيح أعضاء من خارج الأسر الحاكمة لتولي مناصب مهمة في الدولة كمنصب رئيس الوزراء. لقد أصبح من المحتم على الأنظمة الوراثية في الخليج أن تأخذ بزمام المبادرة لإجراء إصلاحات سياسية بعيدة النظر وتدريجية، لا من أجل الاستجابة لمطالب شعوبها فقط ولكن لأن حكومات دول مجلس التعاون الخليجي هي في نهاية المطاف غير مهيأة لمواجهة انتفاضة شعبية واسعة النطاق. وحتى الآن نجد أن أولوية الحكام في منطقة الخليج هي حماية أنفسهم من أي انقلاب عسكري محتمل، وقد لاقت جهودهم في هذا المجال نجاحا كبيرا لأن الأجهزة الأمنية المختلفة في الدولة هي في يد أفراد أسرتهم وتحت سيطرتهم. ولكن لابد من إدراك حقيقة أن حكومات المنطقة ليست في مأمن، والدور الذي لعبته القوات الأمنية والعسكرية في ثورتي مصر وتونس هو خير دليل على ذلك. والواقع هو أن الخطر الداهم الآن يكمن في ثورة الشعب وليس في حدوث انقلاب عسكري. أخيرا ينبغي الإشارة إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن رأت أن المارد قد خرج من مكمنه، ستتخذ في نهاية المطاف موقفا مساندا لتطلعات الشعوب. فسياسة الولايات المتحدة ومصالحها تتطلب الاعتراف بالإصلاحات السياسية كضرورة حتمية لا يمكن تجنبها. وعلى الرغم من أن واشنطن قد تبنت موقف التمهل- ومراقبة الوضع حتى الآن ــ إلا أن الأسر الحاكمة في الخليج لم يعد بإمكانها أن تعول على سياسة الحماية الأمريكية الدائمة في حالة استنفاد صبر شعوب المنطقة. على الأنظمة الحاكمة في الخليج أن تعي الرسالة التي أصبحت واضحة وهي : الإصلاحات الحقيقية لم يعد بالإمكان تأجيلها.