رد الحركة التقدمية الكويتية على خطاب رئيس مجلس الوزراء: خطاب عمومي إنشائي معزول عن الواقع الكويتي المأزوم
لعلنا لا نبالغ عندما نقول إنّ الخطاب الأميري، الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء في جلسة افتتاح دور الانعقاد الثاني للفصل التشريعي السادس عشر لمجلس الأمة اليوم، كان خطاباً عمومياً جداً وإنشائياً على نحو غير مسبوق، بما في ذلك قياساً إلى الخطابات المماثلة السابقة.
ونحن في الحركة التقدمية الكويتية من موقعنا كمعارضة وطنية مسؤولة ومعنية بالضرورة بمناقشة هذا الخطاب الذي يرسم عادة سياسة الحكومة، نرى أنّ هذا الخطاب لم يحقق حتى أبسط المتطلبات المذكورة في المادة 104 من الدستور، بحيث يتضمن، كما يفترض أن يكون، بياناً لأحوال البلاد وأهم الشؤون العامة التي جرت، وما تعتزم الحكومة اجراءه من مشروعات وإصلاحات، باستثناء إشارتين عامتين ومبهمتين كانت الأولى منهما عن "إقرار منهج إصلاحي شامل، يُنهي حالة الركود والجمود، ويُشيع أجواء الأمل والتفاؤل، ويُطلق مسيرة الوطن الغالي على درب التنمية والازدهار"… أما الإشارة العمومية المبهمة الأخرى فكانت عن عزم الحكومة على "اتخاذ كافة الإجراءات للقضاء على الفساد بجميع أشكاله المباشرة وغير المباشرة واستئصاله وتجفيف منابعه ولا سيما تأمين متطلبات تعزيز النزاهة والتحول الرقمي وتطوير الأداء الحكومي"… وبذلك لم يتضمن الخطاب الأميري أي إشارات واضحة إلى مشروعات قوانين محددة وإصلاحات ملموسة تتبناها الحكومة وتسعى إلى إقرارها تشريعياً والحصول على الدعم النيابي لتحقيقها.
وكذلك يمكننا القول بوضوح إنّ خطاب رئيس مجلس الوزراء لم يكن على مستوى التعامل المفترض مع الأزمة العامة المركّبة التي تعاني منها البلاد بأبعادها السياسية والدستورية والاقتصادية والاجتماعية، بل كان خطاباً منعزلاً عن الواقع وتعقيداته وصعوباته ولا علاقة له بالهموم الحياتية اليومية التي تعانيها غالبية الشعب من ارتفاع لتكاليف المعيشة وتراجع للدخول جراء جمود الرواتب والأجور؛ والتضخم والغلاء؛ وارتفاع الايجارات وتأخر تلبية طلبات الرعاية السكنية والأسعار الجنونية للعقار نتيجة الاحتكار والمضاربات؛ هذا ناهيك عن تجاهل خطاب رئيس مجلس الوزراء ما يعانيه الناس من سوء الإدارة؛ وتفشي الفساد؛ وتردي الخدمات؛ وتدهور البنية التحتية؛ وتخلف التعليم؛ إلى جانب معاناة المقترضين المعسرين والحالة المأساوية التي يعيشها عشرات الآلاف الكويتيين البدون والصعوبات الجدية التي يواجهها العديد من أصحاب الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة المتضررين من جائحة كورونا… حيث قفز خطاب رئيس مجلس الوزراء على معظم هذه القضايا والمشكلات، وكأنها غير موجودة على أرض الواقع، وعندما تناول بعضها نجده قد اكتفى بإشارات عمومية هي أقرب ما تكون إلى عناوين برقية في حدود كلمتين أو ثلاث، ولم يطرح الخطاب أي معالجات جدية أو حلولاً واقعية لها.
وباستثناء تكرار الإشارة إلى ما سبق أن أعلنه وزير الديوان الأميري بشأن العفو الأميري المأمول عن بعض المواطنين المحكومين في عدد من قضايا الرأي والتجمعات والقضايا السياسية، وهو عفو مستحق وأولوية رئيسية نؤكد عليها، فقد خلا خطاب رئيس مجلس الوزراء من أي إشارة إلى استحقاقات تتصل بمعالجة الجوانب الأخرى من الأزمة العامة المركّبة في جانبها السياسي بشأن إلغاء المخالفة الدستورية لتأجيل الاستجوابات المزمع تقديمها، أو تعديل القوانين المقيّدة للحريات من شاكلة قانون حرمان المسيء والإعلام الإلكتروني، كما تجنّب الخطاب النظام الانتخابي السيئ، الذي لابد من تعديله، ما يعني بوضوح أنّ هذه القضايا الدستورية والسياسية الرئيسية لا مكان لها ضمن اهتمامات الحكومة، بل أنّه ليس من الوارد إحداث أي تغيير حتى ولو محدود في النهج غير الديمقراطي للسلطة، الذي هو أحد أبرز أسباب الأزمة العامة المركّبة التي تعانيها البلاد منذ سنوات، ولا يمكن تجاوزها من دون التخلي عن مثل هذا النهج.
وفي المقابل، نلاحظ أنّ الخطاب الأميري قد تبنى توجهات اقتصادية واجتماعية منحازة طبقياً لصالح قلة من كبار الرأسماليين المنتفعين وتستهدف إفقار الطبقة العاملة والفئات الشعبية، ولكن بحذر شديد حيث اكتفى الخطاب بالإشارة إليها إشارات تتصف كذلك بالعمومية والغموض، حتى لا يستثير الرأي العام الشعبي المتحسس جداً من مثل هذه التوجهات غير العادلة اجتماعياً، حيث أشار الخطاب إلى ما أسماه "إعادة النظر في سياسة تسعير الخدمات وسياسة الدعم المالي للسلع والخدمات"، التي يجب أن يكون واضحاً أنها تعني زيادة الرسوم واستحداث رسوم جديدة على الخدمات العامة وزيادة أسعار الكهرباء والماء والبنزين، وتعني كذلك خفض أو إلغاء الدعوم، بما في ذلك دعم المواد الاستهلاكية الضرورية وغيره من أشكال الدعوم الحالية…كما تناول الخطاب الأميري ما أسماه "ضرورة إعطاء القطاع الخاص دوره الفعّال في دفع عجلة التنمية"، وهو ما يعني من دون لفّ أو دوران أنّ الحكومة تريد منح المزيد من المنافع والامتيازات إلى شركات القطاع الخاص الطفيلي المعتمد على الإنفاق الحكومي وستعمل على إضعاف الدور الاقتصادي للدولة وخصخصة القطاع العام… وكالعادة لم يشر خطاب رئيس مجلس الوزراء من قريب أو بعيد إلى ما يفترض أن يكون عليه الحال من تحميل القطاع الخاص واجب القيام بمسؤولياته الاجتماعية بدءاً من دفع الضريبة على أرباح الشركات والضريبة التصاعدية على الدخول الكبيرة للأثرياء وتوفير فرص عمل كريمة ومناسبة للعمالة الوطنية.
وفي الختام، فإننا أمام خطاب حكومي بمثل هذه العمومية والعبارات الإنشائية والانعزال عن الواقع الكويتي المأزوم، لا يمكننا أن نتوقع إصلاحاً، ناهيك عن أنّ المجرّب لا يجرّب، وللأسف فإنّ كثيرين من أعضاء الغالبية النيابية التي سبق أن أعلنت عن عدم تعاونها السياسي مع الرئيس الحالي لمجلس الوزراء قد غيروا موقفهم تحت ذريعة التهدئة وعلى أمل إنجاح ملف العفو المستحق، وأعادوا منح هذا الرئيس ثقتهم غير المبررة، ولكنهم سيكتشفون عاجلاً أو آجلاً سوء الرهان.
الكويت في 26 أكتوبر 2021