تغطية جريدة الكويتية للحلقة النقاشية المقامة في التيار التقدمي الكويتي بعنوان "ضرورة الفن" للاستاذ وليد الرجيب
كتب سامح شمس الدين:
في ندوة قد يختلف معها الكثير لموضوع طرحها وفكرها؛ ولكنها تبرز أفكار تيار مؤسس لنشر أفكارها؛ نظم التيار التقدمي الكويتي مساء أمس الأول حلقة نقاشية حول «ضرورة الفن»، حاضر فيها الأديب وليد الرجيب وتناول فيها نشأة الفن وأبعاده وكيفية التعامل معه من قبل الرأسمالية والاشتراكية ودور الفن في الحراك البشري من وجهة نظره الخاصة.
نقاش محتدم
في بداية حديثه استعرض الرجيب الأسماء التي كتبت حول الفن ووظيفته ودوره، وأشار إلى أن المناضل النمساوي أرنست فيشر ألف كتابا حول ضرورة الفن، كما كتب حول الاشتراكية والفن، كما تناول جورج لوكاش الفن في كتابه «دراسات في الواقعية»، وفي الجانب المصري بين الرجيب أن محمود أمين العالم وعبدالعظيم أنيس اشتركا في كتاب في الثقافة المصرية ردا على «التغريبي» طه حسين، وأوضح الرجيب أن النقاش حول الفن كان محتدما في السبعينيات بين الشباب، وكان من المعيب أن تحضر اجتماعات يعقدها جيل الشباب في تلك الفترة دون أن تكون أنهيت قراءة كتاب.
انعكاس للواقع
وأرجع الرجيب نشأة الفن إلى السحر، وأوضح أنه استمر ملازما للبشرية ومرتبطا معها ومازال سحره قائما للآن، ورأى فيه أنه إعادة لصياغة الواقع وانعكاس له بصورة إبداعية وليس بصورة فوتوغرافية واستشهد بمقولة أرنست فيشر الذي قال: «الفن يمثل قدرة الإنسان غير المحدودة على الالتقاء بالآخرين، وعلى تبادل الرأي والتجربة معهم»، واعتبر الفن تجربة فردية يراد منها مشاركة الجماعة والعيش في المجموع، وحول وظيفة الفن قال: «للفن وظيفة اجتماعية تهدف إلى رفع الوعي وتحريك حس الاكتشاف ومشاركة المتلقي بالعمل الإبداعي واستهداف مشاعره ووعيه»، وأشار الرجيب إلى أن الفن ازدهر في المجتمع العبودي بسبب الرخاء والحرية، حيث كان العبيد يؤلفون الأغاني التي كانت تعينهم على العمل، وبيّن أنه في عهد الإقطاعية وعصر النهضة تقدمت الفنون بشكل استثنائي في لوحات ومنحوتات مايكل أنجلو، وخاصة تلك المرتبطة بقصة الخلق وتمثال داود الذي يعد أفضل نحت على الإطلاق، وكان موجها للقوى الرجعية آن ذاك.
الرأسمالية والفن
وفيما يخص قيمة الفن لدى الرأسمالية والشيوعية قال الرجيب: «الرأسمالية قدمت فنونا جميلة عندما كانت تقدمية، لكنها بعد تطورها اعتبرت كل شيء سلعة بما فيها الفن، وكل شيء لا قيمة له إن لم يأتي بربح، وعلى اثر ذلك ظهرت المدارس الفنية الاحتجاجية مثل الانطباعية والطبيعية والتجريدية والدادائية والعدمية وكلها حركات احتجاجية على فظاعة الرأسمالية وفظاعة ما أحدثته من حروب ودمار»، واعتبر الرجيب أن الرأسمالية والليبرالية شجعتا الفن الشكلاني الذي لا ينتقد عيوب الرأسمالية، كما رأى أن الرأسمالية خربت كل قيمة للفن وتبنت نظريات الفن للفن التي لا تفضح ممارساتها ومنعت الفنون التي تكشف استغلالها للإنسان، وأشار إلى أن الرأسمالية شجعت الجنس في الأدب وفرضت تقليعة «أيروتيكا» التي دخل فيها الشاعر الشيوعي سعدي يوسف للأسف في تسعينيات القرن الماضي، وأكمل الرجيب حديثه حول الدمار الذي أحدثته الرأسمالية بالفن، فبّين أنها هي من شرعنت الدعارة والقمار وحاربت كل الفنون التقدمية ذات المغزى الاجتماعي، واستدل الرجيب بالمكارثية وما فعلته مع الممثلين والمخرجين مثل تشارلي تشابلن وآرثر ميلر، وأسهب الرجيب في الحديث عن الرأسمالية وذهب إلى أن الرأسمالية هي من شجعت الفنون التافهة وفنون وآداب الرعب الأمريكي والعنف وربطت جودة الفن بحجم الربح الذي يأتي من ورائه.
الاشتراكية والفن
وحول التعامل الاشتراكي مع الفن رأى الرجيب أن الواقعية الاشتراكية ولدت من رحم الرأسمالية وفضحت فظائعها وقبحها وبشاعتها وبشرت بالمستقبل وكان موضوعها الأساسي الإنسان، لاسيما المسحوق، وأوضح الرجيب أن الواقعية الاشتراكية مصطلح أطلقه مكسيم غوركي وفهم خطأ لأنه اعتبر أن الفن والأدب يجب أن يتحدثا عن الاشتراكية، وفي مجال الروايات والقصص السوفييتية قال الرجيب: «كلها تخلو من الجماليات الانسانية»، ورأى أن الواقعية الاشتراكية طورت الفنون إلى مستويات عالية في كافة مجالات الأدب والفنون، وأشار إلى استحالة أدلجة الفن وتسييسه قسرا، مع أن كل عمل فني أو أدبي يعكس أيديولوجية الفنان وموقعه من الحياة.
سطوة الفن
وتناول الرجيب بعض الأعمال الفنية والأحداث التاريخية التي كان الفن محركا لها، ورأى أن للفن قوة وسطوة أكثر من الرصاصة، كما ذهب إلى أن ثورات التغيير الاجتماعي تخرج مواهب الإنسان وتفجر إمكانياته الإبداعية مثل ما حدث في ثورة 23 يوليو التي تطورت فيها الفنون الموسيقية والسينمائية والتشكيلية، وأرجع الرجيب عدم وجود فن مصاحب للثورة في ليبيا كما في الثورة 25 يناير إلى الإرث الثقافي والحضاري للمجتمع، وحول تدهور الفنون وعدم تطورها بالكويت بعدما كانت مزدهرة في الستينيات والسبعينيات اعتبر الرجيب أن أساس التطور يكمن في التحول الاجتماعي وليس في الحدث مهما كبر، وبين أن في الستينيات كان هناك تحول اجتماعي وانسجام إنساني، ورأى أن الحراك الشعبي الذي شهدته الكويت أخيرا أنتج فنونا، لأنه أحدث تغييرا في سيكولوجية الشباب والشعب.
*المصدر جريدة الكويتية بتاريخ 02/04/2012