كنت قد توقفت عن قراءة نتاجات الشباب منذ بضع سنوات وتوقفت تماماً عن إبداء رأيي في هذه النتاجات، بالتأكيد ليس تعالياً عليها أو استخفافاً بها، بل كان شعوري للوهلة الأولى لتسلم النتاج الشبابي هو الفرحة والفخر بأن الكويت ما زالت تلد المبدعين، خصوصاً انني عشت في زمن شح إبداعي.لكن ما كان يحدث معي أثناء نقلي لوجهة نظري للكتاب الشباب، وانتقادي لبعض جوانب كتاباتهم مع الإشارة إلى جوانب إيجابية، أنهم كانوا يثورون ويغضبون من وجهة نظري، واكتشفت أنهم ورغم طلبهم رأيي الصادق إلا أنهم في الواقع كانوا يطلبون الإشادة، رغم أن مهمتي الأساسية هي الكتابة وليس النقد.وامتناعي هذا عن القراءة سبب لي عداء من بعضهم، بل اتهمني البعض «بتضخم الذات والتعالي»، وبعد سنوات أقرأ رأياً انتقادياً حاداً من هؤلاء الغاضبين مني للكتابات الشابة الأصغر ووصفها بالأدب الرديء، فكان الحل والقرار أن أستمر في رحلة الكتابة دون أن أخسر البراعم الأدبية الشابة التي أكن لها المحبة والتقدير وأتمنى لها التوفيق.وقد طلب مني أكثر من مرة عمل ورشة للشباب المبتدئ عن كيفية كتابة الأدب، وفكرت كثيراً وتساءلت: «كيف يمكن تعليم مهارة لا تشبه مهارات القراءة أو الدراسة الأكاديمية»، فالأمر أعقد من ذلك بكثير لأنه يبدأ منذ الاستعداد الطفولي وسنوات توسيع المخيلة، ثم بالاطلاع الدؤوب على منجزات الفكر البشري وإبداعاته، ثم أخيراً يعتمد على الحاجة للكتابة وليس الرغبة بالكتابة والتعبير عما يجول بالنفس، فكثير من متذوقي الأدب الجادين لا يجرؤون على كتابته.وعندما سألت أحد الشباب هل قرأ لتشيخوف أو غوغول أو دستويفسكي، أو أياً من الأدب الكلاسيكي أجاب بالنفي، إذاً بماذا كان مخزونه الذهني متشبعاً؟ وهل قرأ إحدى مسودات أعماله قبل النشر؟ فأفهم من إجابته أن من قرأ له مارس المجاملة عليه بعدم مسؤولية، فهل يمكن لأحد تأليف مقطوعة موسيقية دون استماع وتذوق وتعلم ومران طويل؟قديماً كانت ترفض الصفحات الثقافية في الصحف نشر قصصنا إن كانت دون المستوى وبالتأكيد ترفض دور النشر فعل ذلك أيضاً، أما الآن فالصفحات الثقافية تتلهف على ملء صفحاتها بأي شيء، وتستسهل دور النشر نشر الخواطر ما دام الهدف هو الربح، وكما قال الأستاذ اسماعيل فهد اسماعيل في كتابه القيم «القصة العربية في الكويت»: «في الغالب نرى صورة ذلك الناشئ وهي تتصدر الخاطرة «الإنشائية المدرسية الطابع» التي كتبها والتي سميت تجاوزاً قصة».هذا لا يعني أنه لا توجد براعم أدبية تشي بمستقبل باهر أو لافتة للنظر، لكنه أيضاً من المتداول في كتابات النقاد بما فيها كتاب الأستاذ اسماعيل آنف الذكر، أنه في كل زمان ومكان يوجد كم ويوجد كيف، فتاريخ الأدب الكويتي يحوي نماذج كثيرة، كتبت ثم توقفت عن الكتابة حتى يومنا هذا، إذ لم تكن الكتابة لديها سوى رغبة ولم تتحول إلى حاجة أي من دونها لا يستطيع الإنسان الكاتب العيش أو التنفس.المهم في كل هذا ألا يشعر الكاتب أياً كان موقعه بأنه «وصل»، فلا توجد نقطة فاصلة «للوصول»، بل التعلم ثم التعلم ثم التعلم حتى آخر يوم من أعمارنا، وهذا يستلزم التواضع مع النفس أولاً، والتعب الدائم على النفس بالقراءة وتطوير الأدوات الفنية بشكل لا نهائي، فما دامت الحياة مستمرة فالتعلم والتطوير مستمران والحكم ليس للناقد فقط ولا للقارئ فقط بل للتاريخ أيضاً.وليد الرجيبosbohatw@gmail.comمنقول عن جريدة الرايتاريخ 28\11\2012 العدد:12203.