في ظني أن قوى الإسلام السياسي المتشدد تعاني من مأزق داخلي وآخر خارجي، ولذا فهي تهرب إلى أمام عن طريق تكتيك الهجوم أو استخدام الإرهاب الفكري أو الفعلي كما يحدث في مصر، فما حدث خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة من أحداث على الساحة، مثل المطالبة بإغلاق المقاهي المرخصة قانونياً في الجهراء بحجة أنها تنشر الرذيلة والفساد الأخلاقي، والتهديد بإغلاقها بالقوة رغم أن ذلك من مهام وزارة الداخلية، والأهم أن هذا التشدد جاء من أعضاء «جمعية الإصلاح الاجتماعي» في الجهراء التي تصف نفسها بالدعوية، وأيضاً ما حدث أخيراً في مجلس الأمة من إحياء المطالبة بتنقيح المادة 79 من الدستور بحيث تصدر القوانين بما لا يتعارض مع الشريعة أو بما يوافق الشريعة رغم أن صاحب السمو الأمير قد رد مقترح التنقيح عندما طرح في المرة الأولى، هذان مثالان من أمثلة الهجوم على المجتمع وإعلاء الصوت لتخفيف أزمة التراجع.لكن الحدث الجديد واللافت هو أن صديقاً حكى لي مستغرباً بأنه ذهب لصلاة الجمعة 18 أكتوبر الجاري في مسجد «عمير بن أبي وقاص» في منطقة الرقة قطعة 2 وسمع خطيب المسجد يدعو على اليساريين والعلمانيين بقوله «اللهم عليك باليساريين والعلمانيين»، ثم أراني تغريدات عدة في «تويتر» تقول إن ذلك الأمر تكرر في مساجد أخرى بالكويت، والغريب بالأمر أنه في الجمعة ذاتها تم شتم اليساريين والسيسي، بدعاء الخطباء «اللهم أهلك السيسي واليساريين»، ولا يعنينا هنا ما يحدث خارج الكويت لكننا نتساءل إضافة إلى أنه تعبير عن أزمة هل يتم ذلك بتوجيه حكومي من وزارة الأوقاف؟ وإن كان الأمر كذلك فما الهدف من هذا الهجوم؟ وما الذي اقترفه اليساريون والعلمانيون؟ هل دعوا إلى قتل الآخرين كما يفعل المتشددون الإسلاميون؟ أو قاموا بأعمال إرهابية مثل عمليات تفجير المسلمين الأبرياء في البلدان الإسلامية؟فإذا كنا سابقاً نرفض دعاء خطباء المساجد على أهل الكتاب، مثل «اللهم أهلك اليهود والنصارى»، فكيف يمكن أن نرضى على شتيمة والدعاء على أشخاص سواء كانوا مواطنين أم غير مواطنين لمجرد الخلاف الفكري، فهل يصح على سبيل المثال أن ندعو على السلفيين أو الإخوان أو القوميين؟ أم سيعتبرون الدعاء على الأحزاب السياسية والاتجاهات الفكرية للإسلام السياسي هو ضد الإسلام ذاته؟بينما الدين الحنيف والسنة النبوية الشريفة واضحة في أحكامها حول الدعاء على أهل الكتاب وعلى المسلمين والكفار أيضاً، إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم ليس باللعان ولا بالطعان ولا بالفاحش البذيء»، ويقول وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بالسعودية الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: «إن الدعاء في صلاة الجمعة في المساجد على أهل الكتاب من النصارى واليهود عامة، هو من الاعتداء المنهي عنه ولا يجوز، وأكد وجوب البر بأهل الكتاب والدعاء لهم بالهداية للتوحيد والإسلام»، إذ لا يجوز الدعاء إلا على الظالمين وإن كانوا مسلمين كما يُجمع الفقهاء.ولو كانت هذه حادثة معزولة في مسجد معين بعيد عن رقابة الحكومة والدولة، لكان الأمر مفهوماً في حدوده، ولكن أن يتكرر في مساجد عدة وبخطبة الجمعة نفسها هو ما يجعلنا نتساءل إن كانت هذه سياسة أو حملة جديدة ضد تيارات بعينها في المجتمع وضد فئة تحمل فكراً معيناً وهو أمر غير محظور شرعاً وقانوناً ودستورياً، أي حرية الفكر والاعتقاد.إن مثل هذه التصرفات قد تثير فتنةً وكراهيةً وعداءً بين الناس، خصوصاً أن منابر المساجد هي مصادر تثقيف ديني، ويتأثر الكثير من المصلين البسطاء بما يقال على المنابر في صلاة الجمعة.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com______________________________منقول عن جريدة الراي تاريخ ٢١/١٠/٢٠١٣ العدد: ١٢٥٣٠