نتذكر أنه في عهد الملك الراحل فيصل بن عبدالعزيز آل سعود رحمه الله، احتضنت المملكة العربية السعودية جماعات الاخوان المسلمين المصريين الذين تم التضييق عليهم في مصر وسُلموا مسؤولية التعليم بالمملكة، وبالفعل قاموا بتدريس الطلبة السعوديين تعاليم وكتابات «سيد قطب» المتشددة، ثم اقترحوا أن تنشأ «معاهد دينية» في كل أرجاء المملكة، ولتشجيع الأهالي على إدخال أبنائهم للتعليم في هذه المعاهد تم تقديم مبلغ مالي إلى كل رب أسرة عن كل ولد من أولاده يدرس فيها لتحفيزهم على إدخال أكبر عدد من أبنائهم إلى هذه المعاهد الدينية، ولأن كثيراً من أهالي نجد وغيرها لم يكونوا يملكون مداخيل ثابتة سوى ما ينتجونه من زراعة البساتين التي لا تأتي إلا بالنزر اليسير وليس بشكل مستمر، كما لم يكن هناك رواتب تقاعدية، ولذا ذهب كثير من أبناء السعوديين في نجد وسواها إلى هذه المعاهد الدينية حيث درسوا وتعلموا فكر التشدد والتطرف الديني، وتحولت هذه المعاهد إلى مفرخة للإرهاب في مستقبل الأيام.وأتذكر أنه في ستينات القرن الماضي كنا نُدرّس التربية الإسلامية في كثير من الأحيان من قبل معلمين أزهريين، بل ان بعضهم كان يدرّس التربية الإسلامية واللغة العربية معاً، وكنا ندرس مبادئ الشريعة السمحاء ونحفظ آيات من القرآن الكريم وندرس السنة النبوية من الصحيحين، ولا أنسى ذلك المعلم الأزهري المبتسم خفيف الظل الذي كان يحبّب لنا الإسلام، وأتذكر أنني تجادلت معه في حديث شريف أظنه كان «خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء»، فأخذني من يدي وقادني إلى غرفة المدرسين واتصل على ما أظن في إدارة الافتاء بالأوقاف وسأل عن هذا الحديث فقال من بالطرف الآخر: «ليس له أصل» ثم طلب معلمي من الرجل أن يكرر على مسمعي هذا الكلام، ومازلت أدين لهذا المعلم الفاضل تصحيح كثير من المفاهيم المغلوطة لديّ، لدرجة أنني ارتبطت معه بعلاقة صداقة استمرت طويلاً حتى بعد خروجي من هذه المدرسة، فقد فتح أمامي آفاقاً منيرة لسماحة الدين ودفعني للقراءة أكثر في مصادر الشريعة والفقه المعتدلة والمتّسمة بمحبة الآخر وسعة الصدر في المجادلة.ما استدعى هذه الذكريات خبر نُشر في صحف السبت 17 أغسطس الجاري، مفاده أن وزارة التربية تريد تضمين مناهج الرياضيات في المرحلة الابتدائية آيات من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، لم أصدق ما قرأت هل تقصد «الرياضيات»؟! هذا العلم المجرّد والمتطور؟ وحاولت أن أجدد تبريراً علمياً أو تربوياً وراء هذه الخطوة، فلم أقرأ سوى عبارة «بهدف تعزيز التعاليم والقيم الإسلامية وترسيخها في نفوس الطلبة»، ونتساءل ألا توجد مناهج للتربية الإسلامية ضمن تعليم طلبة الابتدائي؟ ففي أيام دراستنا قديماً كانت بعض كتب قواعد اللغة العربية تتضمن آيات من القرآن الكريم من أجل استخدامها في الإعراب على اعتبار أن القرآن الكريم هو المصدر الحافظ للغة العربية الفصحى ولولاه لتغيرت اللغة العربية كما تغيرت مع الزمن جميع اللغات الحية.واستغرب ممن يقول أن لا تأثيرات للجماعات الإسلامية على مناهج التعليم، فكل المناهج تتضمن آيات وأحاديث نبوية، ولم يتبق سوى العلوم والتربية البدنية، وها هو علم الرياضيات سيتضمن القرآن الكريم والأحاديث النبوية، ونتساءل أيضاً كيف يمكن أن تتضمن الرياضة البدنية آيات من القرآن والأحاديث النبوية إذا ما تم إقرار ذلك؟نحن في الكويت تاريخياً نحمل ديناً إسلامياً وسطياً ومتسامحاً ومنفتحاً على الأديان السماوية ونعتز بذلك بين الشعوب، ونتذكر بكل فخر واعتزاز علماء الكويت الأفاضل الذين علّمونا مبادئ الدين والشريعة الصحيحة، وعندما حرّفت هذه التعاليم عن مقاصدها أنتجنا شباباً متطرفين متعصبين تكفيريين لا يؤمنون بالحوار ولا يعترفون بالرأي الآخر.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com