رحل فجر أمس رائد الواقعية الاجتماعية في الفن التشكيلي الفنان حسين مسيّب، وهو من فناني الرعيل القديم في الكويت الذين اهتموا بالتسجيل لحياة ومعاناة وعادات أبناء الكويت من العاملين والبحارة والحمّارة والكادحين بمختلف أعمالهم، ولم تقتصر أعماله التشكيلية على العامل والكادح الكويتي ولكنه صوّر معاناة الانسان أياً كانت جنسيته على أرض الكويت التي أحبها وعشق ترابها وعاد أثناء الاحتلال بأصعب الطرق ليكون في بلده ويشارك شعبه الصمود.ولد الفنان حسين مسيب عام 1935م، وتعود بداياته الفنية الى فترة انضمامه الى شباب المرسم الحر في العام 1961م، والى مشاركته في العام نفسه بمعرض الربيع الثالث بقاعة مدرسة المباركية بأعمال في النحت والخزف الى جانب لوحاته التشكيلية.ويعتبر الفنان التشكيلي الكويتي حسين مسيب من الفنانين التسجيليين، الذين حرصوا على تسجيل البيئة الكويتية القديمة من خلال حركة المجتمع لا من خلال سكون المنظر مثل لوحته «شاوي الفريج» ولوحته «التموين» التي تبين طريقة حصول الكويتيين على التموين أثناء الحرب العالمية الثانية والحمّار الذي يزوّد المنازل بالماء.فهو من الفنانين الكويتيين القلائل الذين انحازوا في رسوماتهم الى الانسان الكادح والمسحوق، من خلال لوحاته وخاصة رائعته «الحمّالي» التي تصور العتّال وهو يغفو جالساً بعد تعب العمل، وكذلك العامل الذي يغفو في ظل الشجرة، اضافة الى تصوير قالعي الصخور من شمال الكويت ونقلها في المراكب قديماً لبناء المنازل، هذا العمل الشاق والمجهد، وكذلك الحداق الذي يعتاش على صيد السمك وغيرها الكثير من اللوحات والمنحوتات.والفنان يشعر ويتعاطف مع هموم الكادحين والعمال والمهمشين الذين لا يخطرون على بال كثير من التشكيليين الكويتيين، وعندما تجلس وتتحدث معه تكتشف أنه كان أحد هؤلاء الكادحين وكأنه تبنى قضيتهم من خلال تخليدهم في لوحاته التي تمتاز برومانسية وهدوء ألوانها الزاهية رغم معاناة أبطالها وشخصوها، وهذه الألوان الهادئة الزاهية تعكس روح الفنان حسين مسيب النقية والجميلة الذي عاش عمره متعاطفاً ومنحازاً للفقراء والعمال والكادحين ويجد فيهم جمال الحياة لأنهم صنّاعها، وخاصة أنه بدأ حياته عاملاً في شركة نفط الكويت KOC، ثم اجتهد وأكمل دراسته المسائية ثم اجتهد أكثر وذهب لدراسة الفنون التشكيلية في بلغراد - يوغسلافيا، وكانت آخر وظيفة عمل بها قبل تقاعده موظفا في جمارك ميناء شعيبة.هذا الانسان الرائع هو أقرب الى الملاك منه الى الانسان بنوازعه المختلفة كان يعمل كل شيء بيديه ويقدّس العمل اليدوي، أحبه رجل الشارع والعامل الذي كان يشاركه طعامه، وكذلك أحبه زملاؤه التشكيليون حيث زامله في المرسم الحر عمالقة الفن التشكيلي مثل النحات العالمي سامي محمد والناقد التشكيلي الوحيد في الكويت حميد خزعل اضافة الى كل الفنانين الرواد الذين رفعوا رأس الكويت عالياً في المحافل الدولية دون أدنى اعتبار أو تقدير من الدولة لهم ولفنهم الرائع، ولن أنسى لوحته التي تصوّر خوذة جندي ميت نبتت بداخلها زهرة ليعلن أنه نصير السلام في العالم أيضاً.فها هو مبدع كويتي آخر يرحل دون تكريم من الدولة أو حتى جائزة تقديرية، وسيُذكر ويُؤبن بعد وفاته كما هي عادة مبدعي الوطن، بينما يكرّم من هم أقل عطاءً منهم، لتتحول المؤسسات الثقافية الرسمية والأهلية الى مؤسسات بيروقراطية ادارية لا تعرف ولا تقدر مبدعي بلدها وشعبها.رحم الله الفنان التشكيلي حسين مسيب نصير الكادحين والعمال، ومصور البيئة الكويتية القديمة بمعاناة أهلها، ورائد الواقعية الاجتماعية في الفن التشكيلي بالكويت، رحل صامتاً هادئاً وديعاً كما عاش.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com