أما وقد قالت المحكمة الدستورية كلمتها في الطعون الانتخابية المقدمة لها وقانون مرسوم الصوت الواحد، فما على الجميع سوى احترام الحكم حتى وإن كان لم يوافق هوى أو آمال الجميع.لكن لكل قرار تبعاته التي ستترتب عليه، التي سيستفيد منها البعض ويتضرر البعض الآخر، وهنا بالتأكيد لا يهمنا الأشخاص بل المهم هو مصلحة الوطن ومستقبله، ومستقبل النظام الديموقراطي والدستور الذي رغم قصوره ارتضيناه كخطوة ابتدائية في بناء دولة حديثة ذات أركان مدنية ومتحضرة ومؤسسات راسخة، يسود فيها القانون ويطبق على الجميع، وتسود بها العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص، وتسير في طريق التقدم والرفاهية والتنمية المستدامة، ويُقضى فيها على الفساد والمفسدين، ويشعر المواطن في كنفها بالأمن والأمان والمواطنة الدستورية.فنحن في الكويت العزيزة لسنا في جزيرة معزولة عن هذا العالم سريع التغير، وخاصة مع التطور الهائل لوسائل التكنولوجيا والاتصالات، فالعزلة ليست خياراً واقعياً، مثلما العودة للماضي أو المراوحة أيضاً خيارات ليست واقعية، بل هي خارج سياق التطور التاريخي للبشرية، فكل ما هو مخالف لواقع التطور التاريخي البشري لم ولن تزكيه الحياة ومحكوم عليه بالفشل من عنوانه.والتساؤل المستحق الآن، هل سيسهم قرار المحكمة الدستورية الجليلة بالتخفيف من حالة الاحتقان السياسي المحتدم في البلاد التي استمرت فترة كافية لتترك ندوبا في نفوس أبناء الوطن؟ أم أنه سيعيد إنتاج الأزمة السياسية التي أخلت بتوازننا جميعاً، سواء من كان يأمل أن يصدر مثل هذا الحكم أم من كان يأمل بحكم آخر واتجاه آخر؟المحكمة عالجت قضية جزئية كانت أحد أسباب الأزمة السياسية، ولم تعالج جوهر المشكلة وأسبابها والتي هي ليست من اختصاصها بالتأكيد، ولا هي من الأسباب والأسس التي أنشئت من أجلها، وهي قضية نهج سلطة ورؤيتها لكيفية وأسلوب إدارة شؤون البلاد، فالمحكمة مختصة بقضايا محددة هي النظر بالأمور التي تخص الدستور ومواده، وسلامة العملية الانتخابية والفصل بالطعون الانتخابية.لكن برأينا الخاص ومع إقرارنا بأحقية المحكمة في شأن الاختصاصات المنوطة بها، لكنها في حيثيات أحكامها الأخيرة دخلت في رأي سياسي ليس من اختصاصها أثناء تبريرها لمرسوم قانون الصوت الواحد، وأرجو أن يصحح لي القانونيون الدستوريون هذا الاعتقاد الذي قد يكون خاطئاً، حينما قالت: «بأنه نظام تأخذ به الديموقراطيات في العالم»، بيد أن ما خفي على هذه المحكمة الموقرة والمقدرة من الجميع أن الصوت الواحد في البلدان الديموقراطية يطبق على أحد نظامين، فاما صوت واحد للناخب لقائمة انتخابية واما صوت واحد للناخب لنائب واحد يمثل كل دائرة انتخابية، ولا يطبق على صوت واحد لاختيار مرشح واحد لدائرة يمثلها عشرة نواب، فهذا غير معمول به في الديموقراطيات بالعالم.الآن وقد حدث ما حدث، وهو غطاء شرعي لمرسوم قانون الصوت الواحد، الذي يفترض بالمجلس المنتخب المقبل أن ينظر فيه، فهل ستتوفر غالبية نيابية في ظل آلية الصوت الواحد؟ لا نظن فإضافة إلى عزم معظم القوى المعارضة والمقاطعة للانتخابات السابقة الاستمرار في المقاطعة، إلا أن حكم المحكمة قد شق اصطفافات القوى المقاطعة بعد أن أعلن بعضها المشاركة رغم انتقاده لمرسوم الصوت الواحد، كما أن هذه الآلية لا تمكّن من خلق غالبية معارضة داخل البرلمان تستطيع فرض تشريع مخالف، بل أنه سيغير موازين القوى لصالح السلطة التنفيذية التي تستطيع من خلال البرلمان الجديد تمرير ما تريده دون توفر إرادة شعبية التي سيكون معظمها معطلا ومقيدا.كما أنه يثبت من ناحية أخرى أن العمل البرلماني ليس شكل العمل السياسي الرئيسي والوحيد، ولا يشكل ضمانة للعدالة الكاملة، أو ضمانة لتحقيق الاصلاح السياسي المنشود، وأنما قد يشكل تكريساً لواقع مرفوض قد يستمر طويلاً بسلبياته التي أفرزت أزمات سياسية سيستعصي حلها بالمستقبل في ظل مثل هذه الموازين.