«الطغاة يجلبون الغزاة» مقولة تتكرر في الأدبيات العربية، ويقال إنها مستوحاة أو مأخوذة من كتابات ابن خلدون، وهناك أمثلة تاريخية كثيرة يستقي منها الباحث المستند على هذه المقولة الشهيرة، التي أصبحت تستخدم كثيراً في عصرنا الحاضر نتيجة أفعال الطغاة العرب الذين انتهى بهم الأمر بما يليق «بالطغاة»، ومنهم من ينتظر.عندما غزا صدام حسين الكويت عام 1990م، احتشدت قوات التحالف الأجنبية والعربية لطرده من الأراضي الكويتية، وفي النهاية أصبح في الكويت وجود أجنبي على شكل قواعد عسكرية، بعدما كانت الكويت تخلو تماماً من أي جندي أو وجود أجنبي، وعندما يلوم بعض المثقفين العرب الكويت على الاستعانة بالأجنبي لطرد الغازي لا يفكرون بأن حماقات صدام وصلفه هي من جلب علينا الغزاة.وتكرر الأمر عام 2003م عندما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق، كانت الذريعة وجود طاغٍ يقتل شعبه ويبيده بالقنابل الكيماوية، وبالطبع كان الغرب يريد أي ذريعة لضرب الآلة العسكرية العراقية ونهب ثرواتها النفطية اضافة الى تمزيق الشعب الى طوائف وقوميات.كما تكرر ذلك مع معمر القذافي الذي لم يستجب لمطالبات شعبه بالاصلاح، واستخدم معهم العنف والصلافة، وبذلك أعطى ذريعة جيدة لكي يتدخل حلف شمال الأطلسي بشكل عسكري سافر.وعندما تعنت بشار الأسد وتعامل بعنف مع المطالب السلمية لشعبه بالاصلاح، وأراق دماء الأبرياء وارتكب مجازر وحشية راح ضحيتها أطفال وشيوخ ونساء بلغوا أكثر من مئة ألف هذا عدا عن المصابين والمهجرين في الشتات العربي، بل واستخدم لقتلهم السلاح الكيماوي، كل ذلك استدعى في البداية فصائل جهادية من الخارج، والآن أتاح الفرصة للصهاينة بالتدخل وقصف مواقع في سورية بضوء أخضر أميركي، رغم أن اسرائيل لا تستهدف النظام السوري كما قالت له في رسالتها السرية.الغريب في الأمر أن جميع الطغاة العرب يظنون أنهم بمنأى عن تدخل الغزاة، لأنهم كانوا خدماً مطيعين للأجنبي، فمن لا يعرف علاقة نظام صدام بالولايات المتحدة التي قدمت له المساعدة في حربه مع ايران؟ ومن لا يعرف علاقة القذافي بالدول الغربية واسرائيل؟ ومن لا يعرف علاقة الأسد بالغرب وباسرائيل؟ بل ان الأخيرة طلبت من الولايات المتحدة عدم ازاحة نظام الأسد لأنه خير حام لجبهة الجولان، كما كانت المباحثات معها تجري منذ سنوات من تحت الطاولة من خلال ممثل سورية (وليد المعلم)، ولو كانت الولايات المتحدة تريد ازالته لفعلت ذلك قبل سنتين.نحن بالتأكيد نتضامن مع نضالات الشعوب من أجل حقوقها المشروعة في الحرية والديموقراطية والكرامة، ومنها الشعب السوري المقاوم لاحتلال أرضه من قبل الصهاينة، والرافض لاستبداد وطغيان نظامه، ولكننا في الوقت نفسه نرفض أي تدخل عسكري من أي جهة كانت وتحت أي ذريعة.اننا ندين التطورات الخطيرة التي مر ويمر بها الشعب السوري الشقيق من مجازر واعدامات جماعية في بانياس والبيضا، وندين استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه، وندين كذلك الأعمال الارهابية ونبش الأضرحة، وتحويل الصراع الى صراع طائفي مفتعل، ليأتي التدخل العدواني الاسرائيلي السافر لكي يخلط الأوراق.ونعود الى السؤال الرئيس: من جلب الغزاة؟وليد الرجيبosbohatw@gmail.com