سابقاً كان علماء النفس يصنفون «التعصب» أو التصلب بالرأي بأنه من المشكلات النفسية، أي مجرد سلوك أو اعتقاد خاطئ نتيجة لظروف اجتماعية وثقافية مختلفة، لكن الدراسات الأخيرة أثبتت أن التعصب وبالأخص الديني أو الطائفي هو مرض نفسي، فماذا يعني ذلك؟بعض المشكلات النفسية عندما تطول وتزيد حدتها وتصبح مزمنة ينتج عنها تغير في كيمياء الدماغ، مما يعني أن المريض النفسي يحتاج إلى علاج دوائي إضافة إلى علاج نفسي أي يشترك في علاجه كل من الطبيب النفسي والاختصاصي النفسي، فهناك بعض المشكلات التي لا تحتاج سوى علاج نفسي ولكن عندما لا تعالج تصبح مع الوقت مرضاً يؤثر على كيمياء الدماغ وهنا يجب أن يتدخل العلاج الكيميائي أو الدوائي، مثل الاكتئاب الذي قد يكون عرضاً بسيطاً لضغط نفسي لكنه يمكن أن يتطور إلى اكتئاب انتحاري.وإذا علمنا أن المشكلات النفسية بشكل عام تتطور إلى مشكلات أكثر تعقيداً إذا لم يتم التعامل معها بشكل سريع، بما فيها المشكلات البسيطة التي يعاني منها جميع البشر مثل الضغوط النفسية، فهذا يعني ضرورة الوعي والاهتمام بالصحة النفسية منذ الأعراض الأولى والاعتماد على العلم بدلاً من الخرافة.التعصب كما هو معروف مكتسب بالتعلم والممارسة وليس وراثياً أو يولد مع الإنسان، وقد يكتسبه الطفل من والديه منذ سن الثانية حسب بعض الدراسات، سواء كان تعصباً عرقياً أو قومياً أو قبلياً لكن الأخطر هو التعصب الديني والطائفي اللذان يصعب علاجهما أو تعديلهما.فالتعصب الذي يقود إلى التطرف هو فكرة خاطئة من حيث المبدأ مهما كانت اتجاهاتها، وهو فكرة تقود إلى شحنة شعورية سلبية تتمثل في الكراهية حيث يصاحبها انفعال شديد يتبعه سلوك عدواني ضد من يعارضون هذه الفكرة، ويقول أخصائي الطب النفسي الدكتور عادل صادق عن سيكلوجية التعصب: «ان العقل السوي لا يقبل إلا كل ما هو منطقي، فإذا طرحت أمامه فكرة أو رأي فإنه يفحصها فإن كانت منطقية فإنه يقبلها فالعقل السليم لا يقبل بطبيعته إلا كل ما هو منطقي وسببي، وأحياناً يبدو الشخص منطقياً وعقلانياً أو مثقفاً أو متعلماً ولكنه يتشبث برأيه ويرفض أن يكون مخطئاً بل يعمل عقله على البحث الدائم عن أدلة تثبت رأيه بأي شكل من الأشكال، ولا يرى إلا ما يريد أن يراه لأن عقله في هذه الحالة يعمل باتجاه واحد ولا يرتاح حتى يثبت رأيه».والتعصب هو عكس الانتماء كما يؤكد الدكتور صادق والذي هو شعور إيجابي عادة لشيء ذي قيمة معنوية مثل الوطن أو لمبدأ أو فكرة إيجابية أو لاتفاق جماعي لصالح خير البشر، بينما يعد التمادي في التعصب والذي هو مرحلة أولى للتطرف أمراً غير سوي.والتعصب كاتجاه نفسي اجتماعي يتأصل بالتنشئة ويتنامى بالتطبيع الاجتماعي، وتلعب المدرسة ووسائل الإعلام والممارسة اليومية دوراً في تعميق هذا التعصب، فلا وجود لغريزة تعصب ولا مستوى ثقافيا أو تعليميا يحدده، فالمرض النفسي يصيب الجاهل والمتعلم وهو غير طبقي أيضاً.ويعتبر الدكتور صادق أن غياب الديموقراطية في المجتمع وفي مجالات الحياة كافة أحد أهم أسباب ظهور التعصب، سواء في الأسرة والتربية والمدرسة والشارع والدولة، فالطبيعة ليس فيها تحيز أو تطرف على الإطلاق بل فيها توازن، كما أن التنشئة خاصة في الأسرة العربية لا تضع الأشياء على مقياس متدرج، فهي تعلم أولادها فقط الحب والكراهية، أي لا توجد مفردات مثل «أعجب وأقدر... الخ»، ويصل التعصب والتطرف ليس إلى الكراهية فقط ولكنه يصل إلى قتل النفس والآخر.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com