قلت في مقال سابق كتبته في العام الماضي بعد خروج مظاهرات في المدن السودانية إن السودان مؤهل بأن يسير على خطى دول ما يسمى بـ«الربيع العربي»، إذ يبدو أن الوضع في السودان متفاقم هذه الأيام بعد اندلاع انتفاضة جماهيرية عارمة في مدنه المختلفة على اثر الاجراءات التي اتخذتها حكومة نظام البشير برفع أسعار المحروقات والسلع وخلق أزمة سياسية تتعمق كل يوم.ووصل الأمر الى انشقاقات داخل صفوف الجيش والشرطة وانضمامهم الى المتظاهرين السلميين الذين واجههم نظام البشير بقمع وحشي استخدم فيه الرصاص الحي ما أدى الى سقوط أكثر من مئة وعشرين شهيداً والمئات من الجرحى وأكثر من ألف معتقل وهي أعداد مؤهلة للارتفاع، فقد تم اعتقال عدد من الناشطين السياسيين المنتمين الى أحزاب وطنية وديموقراطية وتقدمية شملت كوادر من الأحزاب اليسارية من بينهم عدد من أعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوداني، الذي شرع بالتعبئة الجماهيرية تحت دعوة «أبينا» لمواجهة رفع أسعار المحروقات والسلع وطالب باسقاط البشير وسياسته الاقتصادية الهادفة الى قتل الناس وتجويعهم وافقار جماهير الشعب، كما دعا لتكوين جبهة واسعة لاسقاط النظام الحاكم ورفض أي حوار أو مصالحة معه في ظل نهج التضييق على الحريات وقمع أبناء الشعب السوداني.وقامت الحكومة السودانية خلال الأيام الماضية الى قطع الاتصالات بما فيها الانترنت، وتوقفت فيها وسائل المواصلات جراء عجز المواطنين والسائقين عن شراء المحروقات، وارتفعت وتيرة الغضب الجماهيري جراء انصياع هذا النظام الديكتاتوري الى أوامر صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تؤدي دائماً الى افقار الشعوب وتحميلها عبء الأزمات الاقتصادية الرأسمالية والنهج الاقتصادي النيوليبرالي وسياسات الخصخصة.ودعا الحزب الشيوعي السوداني الجماهير الى عدم تخريب الممتلكات والمؤسسات، وطالب باطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وتعرضت دار الحزب الشيوعي بالعاصمة القومية بالملازمين الى هجمة أمنية واعتقال ممثلي قوى الاجماع الوطني المجتمعين بالدار.كما أعلن الحزب الشيوعي في بيانات عدة حول الأحداث أنّه لا مخرج من الأزمة المستفحلة في السودان الا بإزالة نظام الطغمة الحاكمة وتوحيد الجهود ورص الصفوف حول برنامج البديل الديموقراطي ووقف الحروب، وتكوين حكومة انتقالية لفترة محددة تنجز فيها المهام الانتقالية وعلى رأسها تفكيك البنى الأمنية والقانونية والمالية للنظام وقيام المؤتمر الدستوري الشامل، وصولاً الى انتخابات ديموقراطية حقيقية تشارك فيها كل قطاعات الشعب السوداني بحرية كاملة وبلا تزييف ولا قسر.ووصف رئيس حكومة السودان الأسبق رئيس حزب الأمة الامام الدكتور صادق المهدي ما يحدث بالسودان بأنه ثورة حقيقية، وطالب بدستور جديد ونظام توافقي خاصة ان رفع سعر المحروقات قد انعكس على سعر السلع والخدمات، ما أشعل غضباً جماهيرياً وانتفاضة قد تطيح بالنظام الاستبدادي الفاسد الذي أفقر الشعب وقسّم السودان وأدخله في نزاعات مسلحة تحت رعاية أميركية وخلق طبقة رأسمالية طفيلية أثرت عبر سرقتها لثروات الشعب السوداني على مدى سنوات.هذا عصر الشعوب ولا مكان للنهج البوليسي القمعي في أي بلد بالعالم، كما أن الشعوب العربية كشفت المؤامرات والمخططات الأميركية لتفتيت بلادنا، وطالبت بالتحرر من التبعية السياسية والاقتصادية، وها هو السودان يسير على نهج الثورات العربية ولا نعلم الدور سيكون على أي دولة عربية ستسير في ركب التحرر والانعتاق من الاستبداد.