مرت يوم الأربعاء الماضي 5 يونيو/حزيران ذكرى هزيمة الجيوش العربية أمام الطيران والجيوش الإسرائيلية، وهذه الحرب في عام 1967م استغرقت ستة أيام فقط، لتعكس هشاشة الجيوش العربية وبالأخص في مصر وسورية اللتين تعتبران من أكبر الدول العربية وصاحبة أكبر وأقوى الجيوش العربية في ذلك الوقت. ولم يقتصر الأمر على ضعف أداء الجيوش العربية، ولكن الهزيمة أبرزت التفوق الإسرائيلي هذه الدولة العدوانية الصغيرة على كل الأوهام والادعاءات القومية بالتفوق والقدرة على «رمي إسرائيل في البحر»، وأحبطت الشعوب العربية بل أشعرتها بالإذلال وبمدى خدعة أنظمتها لها وادعاءاتها بالاستعداد ليس لمقاومة أي اعتداء إسرائيلي على أراضيها بل حتى القدرة على تحرير فلسطين من أيدي غاصبيها الصهاينة، إضافة إلى احتلال إسرائيل لأراضٍ عربية جديدة أضافت توسعاً أكبر في السيطرة على الأراضي العربية كخطوة لتحقيق الحلم الصهيوني بإنشاء دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل.ونعلم أن هناك ملابسات أبعد من ضعف استعداد الجيوش العربية، نعلم أنه كان هناك فساد كبير بين الضباط العرب وضعف في بناء هياكل الدول العربية وإعلامها الذي كرّس نفسه لتمجيد رؤساء هذه الدول وإنجازاتهم المزعومة، وعملت على إضعاف المواطن العربي ومحاصرته أمنياً وملاحقته سياسياً مع ضعف التوجهات الديموقراطية الحقيقية وتقييد حرياته.هذه الأنظمة المهزومة بشكل يخجل منه العدو قبل الصديق، جاءت ضمن حركة التحرر الوطني العربية من خلال الإطاحة بالملكيات والنظام الاقطاعي المدعوم من الاستعمار، ولكن لأنها لم تكن ثورات شعبية من أجل التغيير الجذري في بنية هذه الأنظمة والمجتمعات العربية، بل كانت انقلابات عسكرية جاءت بحكم العسكر، كثيري الوعود الزائفة وبائعي الأحلام لشعوبنا المتخلفة والمخدوعة والمتطلعة إلى التغيير الاجتماعي الديموقراطي، ومرت عقود على حكم العسكر ولم يتحقق على أرض الواقع سوى القمع وتكميم الأفواه ونشوء فئة فاسدة من وضعها المميز، وصبرت الجماهير تحت دعوات أن كل شيء للمجهود الحربي ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة ودعوات الممانعة والمقاومة، ولكن على أرض الواقع لم تستطع الأنظمة القومية تحقيق أدنى تقدم ديموقراطي سياسي واجتماعي، ولم يستطع المثقف العربي بكل أسف قراءة الواقع وطبيعة الأنظمة القومية العسكرية، بل هادنت النخب المثقفة هذه الأنظمة على اعتبار أنها أنظمة وطنية، فتراجع نضالها الاجتماعي والسياسي من أجل بناء مجتمعات متقدمة ديموقراطياً واجتماعياً بمن فيها المثقف التقدمي واليساري الذي سقط بالتحليل واكتفى بما حققته حركة التحرر الوطني العربية.هذه الهزيمة النكراء غيرت من الذهنية العروبية المعتدة والواثقة بأنظمتها، إلى ذهنية مهزومة وشخصية منكسرة، وبدأت تتأسس مرحلة جديدة من ارتباك القيم القومية، وكأن الهزيمة كانت صفعة مفاجئة لتصحو القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية من وهمها، ليأتي غزو صدام حسين للكويت ويقضي على ما تبقى من الحلم العربي ومبدأ التضامن والوحدة العربية غير الواقعية في ظل اختلاف الأنظمة السياسية واختلاف الظروف الاجتماعية والثقافية بين الشعوب العربية، فمنها من كان رجعياً متخلفاً ومنها من كان يسعى لبناء ديموقراطية الحد الأدنى.وها هي الأنظمة تثبت يوماً بعد يوم خيانتها لشعوبها وعمالتها لأميركا والغرب وإسرائيل، مجهضة أحلام التحرر والديموقراطية والتقدم، وليس في المنظور القريب أن تتحقق هذه الأحلام في ظل ديكتاتوريات مستبدة، تحرم شعوبها من أبسط مبادئ الحرية والكرامة الإنسانية، وتزج بالمعارضين السياسيين بالسجون بادعاء الحفاظ على الاستقرار ودرء المخاطر الخارجية، والأمل بالثورات العربية الماضية في تجذير ثوراتها.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com