يبدو أن صندوق النقد الدولي الذراع والخادم الأمين لتنفيذ السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، لن يهدأ حتى يجعل العالم بأسره وشعوبه رهينة للسياسات الرأسمالية المعولمة، بعد أن كان مختصاً بنصائح أو فلنقل «الوصفات والأوامر» للحكومات الفقيرة لرفع دعمها الاجتماعي عن شعوبها، وتفكيك القطاعات العامة فيها وتخصيصها خدمة للامبريالية المعولمة، التي باتت خطراً يهدد شعوب العالم بالاحتضار الاقتصادي والجوع واقتلاع الديموقراطيات ومبادئ العدالة الاجتماعية وكل ما حققته الطبقة العاملة والفئات الشعبية من مكتسبات تاريخية.السياسة النيوليبرالية الجديدة التي أطلقت آليات السوق، وحصرت دور الحكومات في «حراسة النظام الرأسمالي» في دولها، ورهن كل ثروات الكرة الأرضية لصالح مجموعة من الدول الصناعية الكبرى وشركاتها الضخمة العابرة للقارات، مرسّخة سياسة جديدة هي «ديكتاتورية السوق والعولمة»، مرددة أقوالا غير ديموقراطية مثل: «إن مراعاة البعد الاجتماعي واحتياجات الفقراء أصبحت عبئاً لا يطاق»، والادعاء «بأن شيئاً من اللامساواة بات أمراً لا مناص منه»، وفي ذلك يستوي لديها الدول الفقيرة المدينة والدول ذات الدخول العالية غير المدينة والتي تستطيع بناء تنمية مستدامة تنشر الرخاء والعدل وتقضي على الفقر والبطالة والتفاوت في توزيع الثروة والدخل بين المواطنين.وقد حاولت الحكومة في العام 2010م ضمن هذه الوصفات المدمرة بيع جميع قطاعات الدولة للشركات الخاصة في الكويت، ولكن وقوف الشعب ضد هذه الإجراءات جعل مجلس الأمة يستثني قطاعات التعليم والصحة والنفط في مداولته الثانية.ثم تشكلت «اللجنة الاستشارية الاقتصادية العليا» لتدخل من باب خلفي مفاده ضرورة فرض ضرائب ورفع رسوم الخدمات، ورفع الدعم الاجتماعي عن المواطنين واستثناء الشركات من ذلك، ولكنها لم تستطع تحقيق هذا الأمر بسبب عدم واقعيته في دولة مثل الكويت وخاصة بعد دخول البلد في أزمات سياسية عميقة.وها هي المحاولة الثالثة تأتي على يد فريق متطوع لمبادرة تحت تسمية وأسلوب آخرين وتحمل اسماً براقاً هو «الكويت عاصمة النفط في العالم»، أطلقت على يد قيادي سابق في القطاع النفطي، وشغل لفترة رئيس مجلس إدارة وعضو منتدب لشركة نفط الكويت وغيرها من الشركات النفطية.وسريعاً ما انكشفت هذه الحيلة المراوغة وفُضحت نواياها، وهي منح القطاع الخاص المحلي والعالمي دوراً أكبر في الحياة الاقتصادية في الكويت، يصل إلى تصفية كل القطاع العام من دون استثناء وخصخصته من خلال شركات يملك فيها القطاع الخاص 80 في المئة من رأس المال وتصل نسبة الشريك الأجنبي إلى 14.5 في المئة من حصة القطاع الخاص ولا تحتفظ الحكومة سوى بنسبة 20 في المئة من ملكية هذه الشركات.وهو ما سيتمخض عن كوارث اقتصادية أولها تسريح قطاعات كبيرة من العاملين بالنفط وغيرهم، وتعريض قطاعات أوسع للبطالة والفقر، وارتهان مصير الشعب الكويتي ومصدر دخله الأساسي للقطاع الخاص المحلي والأجنبي، لنعود إلى ما قبل فترة تأميم شركات النفط في العام 1975م الذي قادته القوى الوطنية في مجلس الأمة، ولنعود مرة أخرى تحت رحمة الأجنبي الذي كان يستحوذ على ثروتنا ومقدراتنا.وفي الوقت الذي تقوم به حكومات وشعوب القارة الأميركية الجنوبية بتأميم شركات النفط، وتخرج شعوب أوروبا والعالم في حركات احتجاجية مليونية ضد إجراءات صندوق النقد الدولي وسياسات الخصخصة، يبدأ الشعب الكويتي مع هذه المبادرة بنزف عرقه وماله في جيوب حفنة من المتنفذين الفاسدين وزيادة ثراء الشركات الأجنبية، على حساب مستوياته المعيشية ومستقبل أبنائه.فلينتبه الشعب الكويتي وقواه السياسية إلى ما يحاك ضدهم من أجل نهب ثروتهم الوحيدة، فلا نريد لهذا القطاع الخاص الريعي والطفيلي والتابع للرأسمالية العالمية أن يستولي على مستقبلنا، ولانريد أن يشاركنا الأجنبي في ثروتنا، فالنفط الكويتي للكويتيين فقط وأجيالهم القادمة.
وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
منقول عن جريدة الراي تاريخ 17/06/2013 العدد: 12404