في الآونة الأخيرة بدأت أشعر بأن الواقع الكويتي في مجمله يمر بمنعطف لم يخطر على بالي، بسبب جملة أمور تراكمت جميعها خلال فترة زمنية قصيرة، وربما كانت تخضع لقانون الصدفة والضرورة، ولكني خشيت بسببها مما ينتظر وطني في المستقبل.
كان حبي لكل شيء يمتّ للكويت بصلة، سواء تاريخها الناصع ثقافياً أو تميزها بالحريات وبحبوحة العيش النسبية واعتداد الانسان الكويتي بنفسه وشخصيته التي لم تكن معتادة على الذل والخنوع، بل كانت تتميز بالانفتاح وكره الانغلاق والتخلف، التي قال عنها أحد الرحالة الانكليز حول التاريخ الكويتي عن أحد الكويتيين أن سلوكه يضاهي سلوك أي جنتلمان انكليزي، هذا الحب الذي أكنه لكل شيء يمتّ للكويت وأهلها كان يقترب كثيراً من المثالية والرومانسية.
لكن تراكم الأخبار والأحداث في الفترة الأخيرة جعلني في حاله صدمة بكل ما تعنيه معاجم علم النفس، أي ببساطة هي أمور لا يصدقها عقلي وربما عمل على نكرانها لفترة ليست قصيرة.فكيف نصدق أنه في يوم واحد فقط هو الأربعاء 15 مايو الجاري جرى تقديم عشرات الملاحقين سياسياً الى المحاكمة على خلفيات التغريد في تويتر أو المشاركة في مظاهرة سلمية، واضافة تُهم أخرى لهم ملفقة مثل مقاومة رجال الأمن وبعضها تهم أمن دولة، يحدث هذا في الكويت التي كنا نفاخر بأنه لا يوجد سجين سياسي واحد فيها، بل ان بعض الشباب محكومون بالسجن لسنوات على خلفية تغريدة فقط، وهؤلاء الملاحقون سياسياً يعبرون عن طيف واسع من الكويتيين وعن جميع مكونات المجتمع بمن فيهم نواب سابقون.يحدث ذلك في الوقت الذي نرى فيه سرّاق الملايين والمليارات من المال العام، وتنفّذ الفاسدين، وأصحاب الصفقات والمناقصات المشبوهة، يعيشون بأمان تحت حماية القانون ويعيثون في البلد فساداً وتخريباً، بينما نظل نردد المقولة الكويتية «الله لا يغير علينا»، ونتساءل باستغراب كبير: ألم يغيّر علينا؟كيف تحول رجل الأمن الذي كان يمثل لنا ببزته العسكرية مصدر أمن وأمان، الى شخص يثير الرعب في قلوبنا بتعسفه وظلمه للمواطن؟ بل أصبح يعتمد على زيه العسكري ووظيفته لارتكاب مخالفات واعتداءات وتزوير وتعاطي مخدرات، كل ذلك باعتراف معالي وزير الداخلية.كيف تدهور النظام التعليمي والعملية التربوية الى درك لم نكن نتوقعه في يوم من الأيام؟ كيف يحرم مثلاً طفل في السابعة من عمره من التعليم الذي كفلته الدولة والدستور له بحجج سخيفة؟ وأنا أتحدث عن طفل في السابعة من عمره، وتدني التربية والتعليم باعتراف كل من معالي وزير التربية ومدير جامعة الكويت، بعد ان كنا نصدر هذه الخدمات الى دول الجوار، ناهيك عن تدهور الخدمات الصحية بل جميع الخدمات، ومع ذلك تريد الحكومة رفع رسوم الخدمات وفرض ضرائب على الشعب.ربما فتح الجيل الجديد عينيه على هذا التدهور، لكن جيلنا الذي عاش في العصر الذهبي للكويت يجد أن هذا التدهور كبير وسريع مقارنة بالكويت التي نعرفها، كل شيء انحط في سرعة البرق حتى ثقافة المجتمع وأخلاقياته، والمسؤولية لا تُلقى على الانسان القابل للتغير والتحضر والانضباط.أما صدمتي الكبيرة فهي قرار عدد من الشباب والشابات والعائلات الشابة الهجرة من الكويت والعمل في دول أخرى، بسبب صعوبات العيش وتلاشي العدالة وتكافؤ الفرص والبطالة واجراءات التسريح المتعسف في القطاع الخاص، ولدي مئات الأمثلة على تدهور أحوال البلد في فترة قياسية لا يتسع المقال لذكرها.