تجري في مصر الآن عملية ممنهجة لأخونة مفاصل الدولة وجميع مؤسساتها، هذه العملية لم تأت بالتدرّج الطبيعي بحيث لا يتم ملاحظتها أو حتى التقليل من شأنها، ولكنها جرت باستعجال يعكس عدم قراءة واقعية للمجتمع المصري ولمزاج الشعب ووعيه السياسي الذي تغير منذ 25 يناير 2011م، كما يعكس انعدام البرنامج السياسي والاجتماعي لدى جماعة الإخوان المسلمين كبرنامج حزبي ومشروع حكم، على اعتبار أنهم يحظون بدعم شعبي بعد نجاح محمد مرسي من خلال انتخابات مشكوك بنزاهتها.وفي أنباء مقلقة قد تعجّل بتراجع مصداقية وشعبية جماعة الأخوان، وضمن مخطط وأجندة الأخونة جرت قبل أيام الاطاحة بقيادات وزارة الثقافة ورموزها في مصر واستبدالها بمنتمين لجماعة الإخوان من عديمي الكفاءة بأمر من وزير الثقافة الجديد د. علاء عبدالعزيز الذي ينتمي لنفس الجماعة، وكانت آخر قراراته اقالة مديرة الأوبرا عازفة الفلوت العالمية «د. ايناس عبد الدايم»، وتبعاً لذلك قدمت قامات ثقافية مثل الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي رئيس تحرير مجلة «ابداع»، كما قدم الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة سعيد توفيق وآخرون استقالاتهم، مشيرين الى المحاولات المحمومة للاساءة للثقافة والغاء جوائز الدولة معتبرين ما يحدث جريمة لا يمكنهم المشاركة بها.وتاريخياً هناك عداء مستحكم بين جماعة الإخوان المسلمين والثقافة، ناهيك عن الجماعات السلفية المتشددة التي تحارب الثقافة وأنواع الفنون باستخدام العنف في كثير من الأحيان، فالإخوان تاريخياً لا يعترفون ولا يحترمون الفنون سواء الموسيقية أو التشكيلية أو غيرها من أنواع الفنون، فلم ينتجوا لنا عبر تاريخهم الطويل نسبياً أسماء معروفة في الأدب والنقد أو التأليف المسرحي أو حتى الشعر، وهنا أنا أتحدث عن جماعة الإخوان تحديداً، بينما عبر التاريخ الاسلامي كان هناك الكثير من رجال الدين المستنيرين الذين كتبوا أجمل الأشعار وأروع القطع الأدبية بما فيها شعر الغزل، ومنهم رجال دين كويتيون كثيرون أذكر منهم على سبيل المثال الشيخ يوسف بن عيسى القناعي والشيخ عبدالعزيز الرشيد والشيخ عبدالله خلف الدحيان والقاضي وشيخ الدين خالد العدساني الذي عاش في القرن التاسع عشر والشيخ داوود الجراح وغيرهم الكثير، كما كانوا غالباً ما يستخدمون الشعر ويستشهدون به في خطبهم بالمساجد، هذا اذا استثنينا كل رجال الدين والفقهاء في التاريخ العربي الاسلامي، فكل الاتجاهات الفكرية العربية والمحلية لها نتاجات أدبية رائعة ما عدا الجماعات الاسلامية السياسية.لكن هذا التراث الثقافي الجميل لرجال الدين شوهه الإخوان المسلمين بعدائهم للشعر ولكل أنواع الأدب والفنون والثقافة بشكل عام، فهم يرون فيه مفسدة وانحلالاً أخلاقياً منافياً للدين الاسلامي.وأتذكر في بداية الثمانينات من القرن الماضي أننا بدأنا نشهد مظاهر غريبة ومقلقة في المجتمع الكويتي، فكنا نستيقظ لنرى أن اعلانات المسرحيات محطمة في الشوارع، وتنامى تغوّل وعداء القوى الاسلامية للثقافة، حتى إنهم رفعوا قضايا ضد الأدباء والمفكرين الكويتيين بل وسجن بعضهم، وهم جاءوا بتشجيع ودعم من السلطة غير المهتمة بالثقافة أصلاً، فوجدت الثقافة نفسها تقاتل وحدها من أجل البقاء.والإخوان عندما يسيطرون على الثقافة في المؤسسات الرسمية والأهلية، يهدفون بالأساس الى محاربة التنوير والتقدم، ونشر ثقافة الجهل والتخلف ومحاربة التراث الانساني العربي والاسلامي المستنير، وتخريب العقول وقمع حريات التعبير بالارهاب الفكري وبمباركة أو تغاضِ حكومي.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com