عندما أكتب في موضوع اقتصادي أشعر بأني أسير في حقل ألغام، بسبب قلة درايتي في القضايا الاقتصادية وتحليلها بدقة علمية، يمتاز بها المتخصصون بعلم الاقتصاد السياسي، إلا أن هناك أبجديات يستطيع المتابع العادي فهمها وإدراكها دون حاجة للتخصص الأكاديمي مثل قضية «الداو» وصفقتها التي أثارت الكثير من الضجة أخيراً بسبب الغرامة الباهظة أو سقف التقاضي حسب تعبير وزير النفط الأسبق محمد العليم، التي ستدفعها الكويت جراء إلغاء العقد مع شركة «داو كيميكال» والبالغة 2.2 مليار دولار تتكبدها خزينة الدولة أو المال العام وهو ملك الشعب الكويتي.
وهذه الصفقة يشوبها الكثير من التساؤلات بسبب غموض المعلومات حولها، خاصة بتوقيت إبرامها في ديسمبر عام 2008م، أي في الوقت الذي تعرّض فيه النظام الرأسمالي إلى زلزال تَمثّل بأسوأ أزمة اقتصادية بنيوية في تاريخه.وبرغم أن بعض الآراء في ذلك الوقت دعت إلى رفض الصفقة حيث ترى أن شركة داو كيميكال هي الطرف المستفيد، أما زعم الساعين لإبرام الصفقة أنها توفر فرص عمل وتدريب للمواطنين وجلب تقنيات حديثة فهو زعم غير دقيق، فالشركة أساساً متعثرة وهذا يعني أن الكويت تشتري جزءاً من شركة خاسرة بمبلغ باهظ يبلغ سبعة مليارات.هناك من يدين مشاركة الكويت في هذه الشركة، وهناك من يدين إلغاء الصفقة، لكن في كلتا الحالتين هناك مسؤولية سياسية يتحملها المسؤولون السياسيون في ذلك الوقت، وهذا الجدل سيظل قائماً في ظل غياب المعلومات والشفافية حول هذه القضية.وهناك سوابق في سرقات المال العام ضمن صفقات مشبوهة أو عمليات فساد مباشرة، مثل قضية سنتافي وقضية الناقلات وغيرهما اللتين أدتا إلى نهب مقدرات الشعب الكويتي، ولم تتم محاسبة المسؤولين عنهما، والخاسر الوحيد في هذا الفساد الكبير هو الشعب الكويتي.وبعض المختصين يرى أن صفقة الكويت مع الداو تختلف عن صفقة السعودية معها، حيث ان السعودية تملك أسهماً أو ملكية، بينما الكويت غير شريكة في الشركة الأم مثل السعودية، بل حاولت الكويت المشاركة في الشركات الصغيرة للداو التي هي أشبه الفروع التي لم تحقق ربحاً، كما أن الداو أرادت إدخال الكويت في هذه الشراكة على ادعاء أن رأسمال الشركة يبلغ 30 ملياراً وأن نصيب الكويت هو الربع، ولكن اتضح أن رأسمالها لا يتجاوز 17 ملياراً، بينما اشترطت السعودية على داو الشراكة بملكية الشركة الأم، وهذا رأي بعض المختصين.إن إحالة الحكومة قضية الداو إلى النيابة والاستغناء عن بعض قيادات القطاع النفطي يحتمل أحد تفسيرين، إما أن الحكومة اكتشفت شبهة وفساداً في هذه الصفقة، وإما أنها تريد ذر الرماد في العيون وتقديم كبش فداء وتسكت المواطنين الغاضبين من تبديد أموالهم، ليصار بعدها إلى حفظ القضية كما حدث في قضايا سرقات المال العام التي سبقت هذه القضية.