قلت في مقالي السابق إننا لا نعرف ماذا دار في المحادثة الهاتفية بين محمد مرسي وأوباما، وها هي المصادر بما فيها البيت الأبيض تكشف ما دار، والذي يتلخص بطلب مرسي العون والدعم من الولايات المتحدة لدعم شرعية الصندوق التي أتت به رئيساً لمصر، فكان رد أوباما مستقرئاً مزاج الشارع المصري: «ان الديموقراطية ليست انتخابات فقط، ولكن يجب امتصاص غضب الملايين المعارضة من خلال تحقيق بعض المطالب»، ولكن الغريب بالأمر أن رئاسة الجمهورية غيرت رد أوباما إلى معنى آخر هو دعم أميركا للشرعية في مصر، مما حدا بالبيت الأبيض إلى إصدار تصريح أشبه بالتكذيب، ثم أذاعت المكالمة مع ترجمة لها.وأمام تظاهرة أعتبرتها بعض المصادر الإعلامية الغربية أنها «أكبر حشد في تاريخ البشرية» أصر مرسي أن المتظاهرين في الميادين لا يتجاوزون المئة والستين ألفاً، بينما يبلغ مناصروه الملايين، وقلت في مقالي السابق إن الصحف نشرت صوراً لمؤيدي جماعة الإخوان في ميدان رابعة العدوية وهم يلبسون الخوذ ويحملون العصي وهو أمر خطر، بينما التزم المتظاهرون في ميدان التحرير بالسلمية سواء من خلال دعوات القوى الوطنية والديموقراطية والتقدمية، أو من خلال ما أظهرته شاشات الفضائيات من رقي في التعبير السلمي عن موقفهم من حكم جماعة الإخوان الذي سعى إلى السيطرة على كل مفاصل الدولة واتباع سياسة أخونة جميع المؤسسات، ودخل في خصومة مع القضاء والإعلام والثقافة، واستبدل محافظي المحافظات وكبار موظفي الدولة وعين الحكم عناصر تابعة له، وسعى إلى مجزرة قضائية تزيح من خلالها 3000 قاض، كما أزاحت النائب العام وعينت نائباً يتبع الجماعة، وهاجمت جميع وسائل الإعلام ووضعت قيوداً عليها وغيرت رؤساء تحرير الصحف الرئيسية بموالين لها، هذا عدا الاستمرار في السياسة الاقتصادية النيوليبرالية التي اتبعها حسني مبارك من قبل.وقد لوحظ في هذه الموجة الثانية من الثورة المصرية أن عدد من خرج إلى الشوارع والميادين أكثر بكثير ممن خرجوا يوم 25 يناير إذ انضم لها من انتخب مرسي أيضاً، كما لوحظ تقارب وتوافق بين القوى الوطنية والتقدمية المنضوية في جبهة واسعة حول المطالب والأهداف والشعارات المرفوعة، ما يعني أن الشعب المصري أصبح أكثر وعياً مما كان عليه في 25 يناير 2011م، فللمرة الأولى تُرفع شعارات ضد الولايات المتحدة والامبريالية وتدخلها في شؤون مصر الداخلية وترفض محاولة فرض ديموقراطية شكلية وضعت مصر على حافة الانهيار الاقتصادي، ومن أهم الشعارات كذلك هو رفض حكم العسكر خصوصاً بعد التجربة الأليمة مع المجلس العسكري الذي أدار المرحلة الانتقالية بعد ثورة يناير بقيادة المشير طنطاوي وسلم بعدها السلطة لجماعة الإخوان بالتفاهم مع أميركا.ونشرت خدمة الأخبار العاجلة من الموجز الالكترونية وكذلك بعض الصحف الكويتية أن عصام الحداد مساعد رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية وهو كادر قيادي في الإخوان، قد وجه نداء إلى الدول الغربية للتدخل العسكري لحماية الشرعية، وهو ما عدته مؤسستا الجيش والشرطة خيانة عظمى ضد الشعب والجيش المصري، وهو ما نشر بسببه الجيش والشرطة قَسَماً بحماية الشعب المصري بدمائهم.وخلال كل ذلك اعتدت جماعات من الإخوان المسلمين بإطلاق النار على المتظاهرين السلميين استشهد على اثره عدد من المواطنين وضباط الشرطة، وتم ضبط كميات من الأسلحة النارية والسلاح الأبيض وزجاجات المولوتوف وأجهزة تنصت متطورة في مقرات الإخوان واعتقال بعض منهم، كما عثر على وثائق تفيد بأن الإخوان تلقوا مساعدات خارجية بعضها من جهات في الدول الخليجية، وكذلك أوامر بالجهاد ضد أبناء الشعب المصري من معارضي مرسي ومن ورائه الإخوان.فهل هي ثورة أم انقلاب عسكري؟ هذا ما سنبحثه في الجزء الثاني من هذا المقال.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com