اليوم ينتهي عام حافل بالمتغيرات والتحولات النوعية بسلبياتها القليلة وإيجابياتها الكثيرة، حيث البطولة الرئيسية فيه هي لشعوب العالم، فلم يعد التاريخ يُكتب للملوك بل تسطره الشعوب بامتياز كبير.عام 2012 هو العام الثاني للثورات العربية، فإضافة إلى استمرارها هناك تغير نوعي في وعي الشعوب لتعديل مسارات الثورات بعد أن استحوذت عليها القوى الإسلامية لأسباب عدة، منها عدم خبرة الشعوب العربية بالثورات الديموقراطية الاجتماعية التي تحدث للمرة الأولى في تاريخ العرب، بعد أن كانت تسود حركة التحرر الوطني في البلدان العربية الانقلابات العسكرية ضد الاستعمار والاقطاع بالقرن الماضي، والسبب الثاني منطقي في جميع الثورات وهو أن الأنظمة القديمة الرأسمالية تحديداً لا تتخلى بسهولة عن امتيازاتها فتقاوم بشراسة عن طريق حرف الثورات عن مساراتها والقيام بثورات مضادة، والسبب الثالث هو عدم سماح العالم الغربي والأميركي وإسرائيل بضياع نفوذهم وانتهاء تمتعهم بثروات الشرق الأوسط الهائلة، فتُعمل مؤامراتها وتحالفاتها مع الوجوه البديلة لتلك التي اهترأت وانتهت صلاحيتها سواء كان البديل إسلامياً أم غير إسلامي.وشهد عام 2012 حراكاً شعبياً غير مسبوق في الكويت وكذلك في بعض دول الخليج والأردن، كما يشهد العام قرب انتهاء نظام الأسد المستبد رغم كل المجازر والمآسي ضد الشعب السوري الشقيق ورغم التدمير شبه الكامل للمدن السورية العريقة.كما شهدت قارات العالم في العام المنصرم حراكاً شعبياً ضخماً ومداً ثورياً في الولايات المتحدة ودول أوروبا، رفضاً لسياسات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي التي تدفع حكومات الاتحاد الأوروبي لانتهاج التقشف والخصخصة وتحميل الشعوب نتائج الأزمة الرأسمالية الاقتصادية العالمية البنيوية والعميقة.وكان عام 2012 عام صعود اليسار في العالم وإعادة الاعتبار للاشتراكية في النقد والتحليل والاسترشاد بها كمنهج لبناء مجتمع بديل عن المجتمع الرأسمالي الآيل للسقوط، فقد فاز اليسار الفرنسي برئاسة الجمهورية حيث نجح «فرانسوا هولاند» في الانتخابات ضد مرشح اليمين نيكولا ساركوزي، وذكر «رشيد غويلب» أن «اليسار المتحد» في اسبانيا حقق نجاحات في الانتخابات المحلية وهو تحالف يقوده الحزب الشيوعي الإسباني، كما ضاعف «تحالف اليسار» في اليونان بقيادة الحزب الشيوعي اليوناني من أصواته وحصل على المرتبة الثانية في البرلمان الذي يدخله للمرة الأولى، وفي قبرص تم اختيار الرئيس القبرصي «ديمتريس كريستوفياس» ليقود الاتحاد الأوربي كأول شخصية شيوعية تقود الاتحاد، وفي المكسيك جاء مرشح اليسار في المرتبة الثانية، وتستمر في البرازيل نجاحات أحزاب تحالف اليسار الحاكم في الانتخابات البلدية، وفي فنزويلا جددت أكثرية الناخبين ثقتهم بمرشح تحالف اليسار والرئيس هوغو شافيز، وفي بوليفيا استمر تأميم الشركات بعد أن فشلت سياسة الخصخصة وكان آخرها تأميم شركتي الكهرباء من خلال مرسوم أصدره الرئيس البوليفي ايفوموراليس يوم السبت الماضي.وبدأ يعاد الاعتبار إلى الاشتراكية في دول أوروبا الشرقية التي عانت من فوضى الرأسمالية بعد انهيار المنظومة الاشتراكية، فتضاعف عدد أصوات ناخبي الحزب الشيوعي الأوكراني كما اعتبر الحزب الشيوعي في جمهورية التشيك الفائز الحقيقي في الانتخابات المحلية، وهذا ينطبق على شيلي ونيكاراغوا والنمسا وغيرها من البلدان التي بدأت تتجه يساراً، ما يؤشر لمزيد من نجاحات اليسار في العام 2013م.وليد الرجيبosbohatw@gmail.comمنقول عن جريدة الراي تاريخ 31\12\2012 العدد:12236