No items found.
October 2024
23

تعليق الحركة التقدمية الكويتية على تعميم مجلس الوزراء بشأن ديوان المحاسبة وما فرضه من قيود على اختصاصات الديوان وحق المواطنين في الاطلاع وتعطيل رقابة الرأي العام

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

من المتعارف عليه في مختلف الدول ذات الأنظمة الدستورية أن يكون هناك جهاز مستقل يمارس الرقابة الفعالة على الأموال العامة بما يكفل صونها وعدم العبث بها أو التفريط فيها ويهدف أساساً إلى مراقبة تحصيل إيرادات الدولة وتوريدها للخزانة العامة، والتثبّت من كيفية إنفاقها، ولهذا فقد تأسس في الكويت منذ العام 1964 ديوان المحاسبة، الذي كفلت المادة 151 من الدستور استقلاله، بحيث يعاون الحكومة ومجلس الأمة في رقابة إيرادات الدولة وإنفاق مصروفاتها في حدود الميزانية، ويقدم الديوان لكل من الحكومة والمجلس تقريراً سنوياً عن أعماله وملاحظاته.

وفي هذا السياق الدستوري فقد صدر القانون 30 لسنة 1964 الخاص بإنشاء ديوان المحاسبة، الذي منح الديوان عدداً من الصلاحيات، فيما جاء التعميم الأخير الصادر عن مجلس الوزراء بشأن ديوان المحاسبة ليقيّدها ويحدّ منها.

ونشير هنا إلى الملاحظات الثلاث التالية:

أولاً: بشأن حق ديوان المحاسبة في حيازة المستندات، فقد ألزمت المادة 12 من القانون الجهات المشمولة برقابة الديوان بأن "توافي الديوان بما تصدره من القرارات الخاصة بتعيين الموظفين والمستخدمين والعمال وترقيتهم ومنحهم العلاوات ومافي حكمها، والقرارات الخاصة بالمعاشات والمكافآت وما في حكمها... وأخضعت المادة 13 من القانون المناقصات العامة لرقابة ديوان المحاسبة المسبقة، إذا بلغت قيمة المناقصة الواحدة مائة ألف دينار فأكثر خلال سبعة أيام من تاريخ تلقيه أوراق المناقصة وكافة ما يتصل بها من وثائق ومستندات وبيانات وإيضاحات كاملة ومستوفاة... كما قضت المادة 28 من القانون بأن تجري عمليات الفحص والمراجعة في مقر الديوان أو مقار الجهات التي تتواجد بها السجلات والدفاتر والحسابات والمستندات المؤيدة لها... واستثناءً للمصروفات السرية فقد ألزمت المادة 80 من القانون بأن يكتفى في شأنها بإقرار يوقعه الوزير المختص كل ثلاثة أشهر يتضمن بيان المبلغ المصروف خلال هذه المدة، وشهادة بأن هذا المبلغ قد تم صرفه في حدود الاعتمادات المقررة وفي الأغراض التي خصصت من أجلها، ما يعني ضرورة تسليم هذه المستندات المتضمنة مثل هذا الإقرار وتلك الشهادة إلى ديوان المحاسبة.

هذا ما نصّ عليه القانون بشأن حق ديوان المحاسبة في الحصول على الوثائق والمستندات، بينما نجد أنّ تعميم مجلس الوزراء وفق ما نشرته الصحف يقضي بعدم حصول الديوان على نسخ من المستندات، مع جواز الاطلاع عليها... وشتان من بين ما ورد في القانون وبين ما جاء في التعميم الأخير.

ثانياً: بشأن الملاحظات التي يحق لديوان المحاسبة أن يبديها، فقد نصت المادة 19 من قانون ديوان المحاسبة على أنه للديوان "إبداء ما يعن له من ملاحظات"، وقضت المادة 22 بأن يبسط الديوان في تقريره السنوي عن الحسابات الختامية "الملاحظات وأوجه الخلاف التي تقع بين الديوان والجهات التي تشملها رقابته المالية"، وقررت المادة 25 من القانون بأنه يجوز للديوان أن يضمّن تقريره السنوي كل ما يبدو له من الملاحظات... وعلى خلاف هذا الحق المطلق لديوان المحاسبة في إبداء ملاحظاته، جاء في تعميم مجلس الوزراء، الذي نشرته الصحف إلزام ديوان المحاسبة بعدم إدراج المسائل الخلافية كملاحظات مستمرة.

ثالثاً: بشأن منع نشر تقارير ديوان المحاسبة، فصحيح أن المادة 22 من القانون قررت أن يقدم التقرير السنوي إلى رئيس الدولة ومجلس الأمة ومجلس الوزراء ووزير المالية، ولكن العرف السائد هو أن تقارير ديوان المحاسبة كانت ترفق مع جدول أعمال مجلس الأمة قبل تعطيل الحياة النيابية، وترسل إلى النواب جميعاً، بل لقد كان العرف السائد هو أن تنشر الصحف تقارير ديوان المحاسبة... ومن جانب آخر فإن تقديم التقارير إلى الأطراف المعنية لا يعني سريتها، إلا إذا تم وسمها بذلك... ومن جانب ثالث فإن الاتجاه العام للدولة منذ صدر القانون رقم 12 لسنة 2020 في شأن حق الاطلاع على المعلومات، تمثّل في التوجه نحو الشفافية وتمكين المواطنين من الاطلاع على التقارير غير السرية الصادرة عن مختلف الجهات... وهذا ما جاء التعميم الأخير لمجلس الوزراء لينهيه ويمنع نشر التقارير السنوية لديوان المحاسبة، وليحرم المواطنين من حق الاطلاع وليمنعهم من ممارسة حقهم الأصيل في تحقيق رقابة الرأي العام الشعبي على أعمال الحكومة، التي أكدت المذكرة التفسيرية للدستور على أهميتها عندما نصت على أنه "من وراء التنظيم الدستوري لمسؤولية الوزراء السياسية، توجد كذلك وبصفة خاصة رقابة الرأي العام، التي لا شك في أن الحكم الديمقراطي يأخذ بيدها ويوفر مقوماتها وضماناتها، ويجعل منها مع الزمن العمود الفقري في شعبية الحكم".

وللأسف فقد جاء تعميم مجلس الوزراء الأخير بشأن ديوان المحاسبة ليقيّد بعضاً من اختصاصات الديوان ويعطّل معها جانباً مهماً من رقابة الرأي العام على أعمال الحكومة.

الكويت في 23 أكتوبر 2024