قانون «احتكار» العمل السياسي!
كثيراً ما تحدثت عن الخلل في المنظومة السياسية، حيث تعتمد هذه المنظومة على العمل الفردي؛ سواء في مجلس الأمة أو في تشكيل الحكومة، فلا يمكن من خلال هذه المنظومة إنجاز أي مشروع أو وضع أي خطة عمل للمستقبل، فالنواب يأتون فرادى بمرجعيات ومنطلقات ورؤى مختلفة، ومثلهم يأتي الوزراء، كما كتبت في مقالات عدة سابقة عن أهمية تطوير هذه المنظومة وإصلاحها بقانونٍ لإشهار الهيئات السياسية أو الأحزاب، والانتقال تدريجياً نحو النظام البرلماني الكامل.وقد شدني إعلان مجموعة نواب الحركة الدستورية الاسلامية (حدس)؛ بالإضافة للنائب عادل الدمخي، عن تقديم اقتراح قانون تأسيس الهيئات السياسية أو الاحزاب، حيث يبدو للمتلقي من الوهلة الأولى أن هذا القانون هو المطلوب للنهوض بالعملية السياسية في الكويت ونشر ثقافة العمل الجماعي وتشجيع العمل الحزبي، إذ لم يكن لدى المجتمع الكويتي تقاليد حزبية سابقاً، بل كان هناك ترهيب من العمل المنظم مارسته السلطة على مر العقود السابقة.لنقف على بعض النقاط الجوهرية في هذا الاقتراح بقانون، فقد جاء عنوانه كالتالي: «اقتراح قانون السماح بإنشاء الهيئات السياسية وتنظيم أعمالها ونشاطها وشروط الانضمام لها»… والحقيقة أن الدستور والقانون الكويتي لا يمنعان أو يجرّمان وجود الأحزاب؛ فالأصل هو الإباحة، لذلك فمن غير المنطقي أن يأتي الاقتراح بقانون «ليسمح» بإنشاء الهيئات السياسية، لكن المطلوب هو قانون لإشهار تلك الاحزاب أو الهيئات السياسية.نأتي الآن على واحدة من أهم النقاط في هذا الاقتراح، وهي الهدف من طرحه بالإساس، فكما نتصور جميعاً أن مثل هذا الاقتراح بقانون يجب أن يقر لينظم العمل الحزبي ويطور المنظومة السياسية، كي ننتقل تدريجياً نحو النظام البرلماني المتكامل، بينما لم يتطرق اقتراح «حدس» للدور السياسي لتلك الهيئات، تاركاً الكثير من علامات الاستفهام تدور في أذهاننا، فهل سيصحب وجود تلك الهيئات السياسية قانون انتخاب حسب القوائم النسبية؟ وهل سيكون هناك دور للحزب الحاصل على أغلبية برلمانية في تشكيل الحكومة، أم سيقتصر دورها على نشر الثقافة السياسية في المجتمع وكأنها جمعيات نفع عام؟يفترض بهذا الاقتراح أن يرسخ العمل الجماعي من خلال الهيئات السياسية، وأن يشجع الناس على الانخراط في التنظيمات السياسية، فنحن في مجتمع لا يملك تقاليد حزبية أو تنظيمية حقيقية كون السلطة حاربت فكرة إشهار الأحزاب منذ فترة إعداد الدستور، عندما اشتُرط شطب كلمة «الهيئات» -التي تعني الأحزاب- من المادة 43 من الدستور لإقراره، بينما الواقع أن هذا الاقتراح يضع العراقيل أمام الناس لاشهار تلك الهيئات، فقد اشترط هذا الاقتراح ألا يقل عدد الاعضاء المؤسسين للهيئة السياسية عن ثلاثمئة شخص، وهو عدد مبالغ فيه إذا ما قارناه بدول ذات تقاليد حزبية كالمملكة الأردنية، التي يشترط فيها أن يتقدم خمسة أشخاص فقط بطلب إشهار الحزب؛ على أن يعقد مؤتمر تأسيسي خلال سنة، بعدد لا يقل عن مئة وخمسين شخصاً، كذلك الأمر في المملكة المغربية ذات التعداد السكاني الذي يتجاوز الثلاثين مليون نسمة، يكفي أن يتقدم ثلاثة أشخاص بطلب التأسيس ويعقد المؤتمر التأسيسي خلال سنة، بعدد لا يقل عن خمسمئة شخص، وهناك أيضاً مثال الجمعيات السياسية في مملكة البحرين، حيث يشترط القانون عدد خمسين شخصاً فقط للتأسيس.النقطة الأخيرة التي لاحظتها في هذا الاقتراح، أنه لا يحظر استخدام الهيئات السياسية لدور العبادة والشعائر الدينية، فقد تستغل أحزاب الاسلام السياسي منابر المساجد للترويج الدعائي، ولترهيب الناس من الأحزاب الاخرى من خلال اللعب على العاطفة الدينية للمجتمع.في النهاية، نحن مع إقرار قانون لإشهار الأحزاب على أسس وطنية ديموقراطية، للعمل من خلال أساليب سلمية، بحيث يتم تطوير المنظومة السياسية ويتم الانتقال للنظام البرلماني، لكننا نرفض أن يفصّل القانون على مقاس تيار سياسي واحد، فهذا الاقتراح باعتقادي تم تفصيله بالملّيميتر حسب مقاس (حدس)، لذلك أطلقت عليه اسم «قانون احتكار العمل السياسي».بقلم الدكتور حمد الأنصاري١٧ أبريل ٢٠١٨جريدة الراي الكويتية