تجول حريتي وتلامس واقعاً تعيسا أرادت به فتح نافذة تطل على عالمنا المجاور للتعرف على مدى حجم الحرية الذي تعيشه،وحدودها وسعتها من خلال تقصٍ سريع للواقع الديمقراطي الذي ينتمي إلى فئة النظريات الاستقرائية .
عند تطوافنا للبحث في السيادة والحرية في تجارب تلك الدساتير التي عاشتها الشعوب بدءًا بالدستور الفرنسي نجد أنه نص على أن السيادة الوطنية ملك للشعب، ويمارسها بواسطة ممثليه وعن طريق الاستفتاء،ولا يجوز لأي فئة من الشعب،أو أي فرد أن يسوغ لنفسه حق ممارسة السيادة الوطنية.
بينما جاء الدستور الأمريكي الذي عدل لأول مرة سنة 1791 بإضافة عشر مواد سميت ((وثيقة الحقوق))،تنص فيه هذه المواد على أنه لا يحق لمجلس الشيوخ سن قوانين تفرض اتباع دين معين، وتمنع حرية النقد حديثا أو كتابة،أو تحد من حرية الصحافة، أو تمنع التجمعات الشعبية للتعبير عن مطالبها.
وحينما أتى الدستور المصري نراه ينص على أن السيادة للشعب يمارسها ويحميها، ويصون وحدته الوطنية، وهو مصدر السلطات, ثم يقوم بإكمال المسير نحو هذا الاتجاه الذى يعنى بالحرية،فذكر أن الحرية الشخصية حق طبيعي، وهى مصونة لا تمس., و أشار أيضا إلى أن الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً., ثم شرع بتشييد أسوار لحمايتها، فقالها مدوية:إن كل اعتداء على أى من الحقوق والحريات المكفولة فى الدستور جريمة لا تسقط عنها الدعوى الجنائية ولا المدنية بالتقادم إلخ... ثم أتت صياغة الدستور الكويتي على غرار تلك الدساتير،وذلك عندما تطرق في حديثه عن الباب الثالث إلى ما يتعلق بالحقوق والواجبات العامة حينما قال:إن حقوق المواطن التي ترتكز على مبدأ الحرية والمساواة قد كفلها الدستور،وإن حرية الاعتقاد والرأي ضمن احترام النظام العام.
فمن خلال هذا العرض السريع انكشفت لنا ثقافة بعض المجتمعات التي كتبت تلك الدساتير،ونلاحظ تنوعها كل حسب فهمه للحقوق وقيمة الحرية ،ولكن فهم الحقوق يحتاج إلى جهد من الاقناع،وإلى كم هائل من الظروف والأحداث يجب أخذها بعين الاعتبار،فالحرية هي احترام الرأي وعدم اقصاء الآخر ،كما أن المجتمع الحضاري هو من يقدس الدستور ويرفض المساس به .
إن الشمس لا تأتي في منتصف المساء ،وعلى العقل أن يبصر بما حوله،فالمجتمع الًذي تنتهك فيه الحرية والقانون عليه الاستعداد.لما هو أدهى وأمر، بلا تعليق ،، ..فالحرية هي الإنسانية كما قال نجيب محفوظ:إن الحرية هي ذلك التاج الذي يضعه الإنسان على رأسه ليصبح جديراً بإنسانيته.