مقال للزميل د. حمد الأنصاري تحت عنوان "لا خير فينا إن لم نقلها..."
لقد هُزِمنا .. نعم هُزِمنا .. ومَنْ لا يعترف بالهزيمة لا يمكن أن يحقق النجاح، فرغم المكاسب الكثيرة التي حققها الحراك والمتمثلة بإقالة رئيس الوزراء السابق وارتفاع نسبة الوعي لدى الجماهير إلا أننا لم نتمكن من تحقيق أي مطلب من مطالبنا ... فلم تتم محاسبة الفاسد ولا المفسد ولم نتمكن من إقرار قوانين الإصلاح السياسي، وجاءت اكبر هزائمنا برفض المحكمة الدستورية للطعن المقدم ضد مرسوم قانون الصوت الواحد!
أسباب الهزيمة كثيرة ولكن أهمها هي الأسباب "الذاتية" والتي يمكن إصلاحها عادة ومن اجل إصلاحها علينا أولا أن نعترف بها.
لقد استؤنف الحراك الجماهيري بعد الغزو في العام 2006 بحركة "نبيها خمس" والتي لم تطالب بأكثر من تعديل الدوائر الانتخابية من أجل الإصلاح، ورغم قناعتي بأنّ الإصلاح لا يمكن أن يتم بتعديل الدوائر "فقط" إلا أن الحركة لاقت إقبالاً كبيراً وحققت مطلبها الوحيد فكانت نتيجتها الحد من ظاهرة شراء الأصوات ولكنها زادت الاصطفاف القبلي والطائفي، فتلك الدائرة محسومة للطائفة الفلانية وهذه حسمتها الفرعية للقبيلة الفلانية ... فلا طبنا ولا غدا الشر!
وجاءت بعدها حركة "ارحل نستحق الأفضل" من أجل الإصلاح وهنا ازداد الحراك جماهيرية وخصوصاً بعد فضيحة الإيداعات والتحويلات المليونية ولكني أيضاً لم أكن مقتنعا بأنّ الإصلاح سيأتي بمجرد تغيير الأشخاص، فالعلة ليست شخصاً... إنها نهج وعقلية وأطراف تريد السيطرة على جميع السلطات بالبلد والاستئثار بثرواته لها وحدها فقط دون حسيب أو رقيب ... ورغم هذه القناعة جاملنا وجامل الكثيرون من أجل وحدة الصف ومحاسبة الفاسد ولقناعة بأنّ التراكم الكمي سيؤدي في النهاية إلى تغيير نوعي.
لقد وضعنا أيدينا بأيدي مَنْ يخالفنا فكراً وتعاونّا من أجل القضية الأكبر وحقق الحراك وقتها مكسبه الوحيد بإقالة رئيس الحكومة وتغييره وحل مجلس القبيضة!
واستمرت جهود الشباب الصادق فانتخبوا أغلبية تاريخية في مجلس فبراير 2012 وأملنا فيهم خيراً بتحقيق مطالب الإصلاح "النوعية" بعد أن تم تحقيق المطلب المرحلي بإقالة رئيس الحكومة، ولكن الأغلبية النيابية كانت أغلبية هلامية مفككة بلا لون ولا طعم ولا رائحة .,. تلك الأغلبية كان بإمكانها أن تحقق مكاسب تاريخية للشعب الكويتي لو أنها "ركزت" على مطالب الإصلاح السياسي، ولكنها فشلت منذ أول يوم بعد إعلان النتائج وشتت جهودها، وأضاعت طريقها بتبنيها مطالب لم تكن ضمن برنامج الإصلاح المنشود، فبدأ أعضاء الأغلبية فيما بينهم بالمساومة من أجل تنقيح المادة الثانية من الدستور ثم جاءت الاقتراحات السخيفة والمتهورة مثل هدم الكنائس أو الإلزام بارتداء الزي المحتشم والحجاب، وأخيراً اقتراح تنقيح المادة 79 من الدستور في شأن توافق القوانين مع الشريعة، ورغم وجود أقلية "ضمن الأغلبية" صادقة في تبينها مطالب الإصلاح قدمت مقترحات الإصلاح السياسي مثل قانون إشهار الهيئات السياسية وغيره إلا أن أكثرية "الأغلبية" كانت تغرد خارج السرب!
ورغم تصدي بعض القوى الوطنية وبعض الحركات الشبابية لتلك الاقتراحات الدخيلة على مطالب الحراك إلا أن هؤلاء النواب استمروا في غيّهم ولم يعيروا مطالب الإصلاح أي أهمية!
وبعد إبطال مجلس فبراير 2012 تداعت القوى الشبابية و السياسية المعارضة مرة أخرى موحدة جهودها متناسية رعونة بعض نواب الأغلبية فجاءت حركة مسيرة "كرامة وطن" الرائعة والتاريخية الرافضة لمرسوم الصوت الواحد وأعقبتها المقاطعة التاريخية لانتخابات ديسمبر 2012 التي أبرزت حجم الرفض الشعبي لمجلس الصوت الواحد... ولكن ماذا بعد المقاطعة؟
بدأت الغيرة تشتعل في أفئدة بعض النواب السابقين الذين تعودوا أن يكونوا في الواجهة فحسبتهم انتخابية بحته وآخر همهم مطالب الإصلاح السياسي ... والدليل اقتراحاتهم في مجلس "الأغلبية" وتضييعهم لجهود الشباب وبقية القوى السياسية، فبدأ الحراك يتفكك، وبدأت نسبة المشاركة في المسيرات تقل الواحدة تلو الأخرى، وبدأنا نرى أكثر من جبهة معارضة داخل الحراك، وكل جبهة لها مؤيدوها المعارضون للجبهة الأخرى وضاعت الحسبة!
وكان الأمل الأخير هو أن تحكم المحكمة الدستورية ببطلان مرسوم قانون الصوت الواحد فبدأ بعضهم فعلاً بالتجهيز لخوض الانتخابات ووضع الخطط لجذب الناخبين نحوه ,.. ولكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه...
ورغم احترامنا لقرار المحكمة الدستورية إلا أن موقفنا من المرسوم بقانون هو موقف سياسي وليس قانونياً، فلو قبلنا بمرسوم قانون الصوت الواحد "فقط" لأنّ المحكمة أعطته الصفة القانونية فمن باب أولى أن نقبل بسجن الشباب المغردين و الحكم الأولي على النائب السابق مسلم البراك وغيره من النواب والشباب!
خلال الفترة السابقة تحملنا وجاملنا كثيراً من أجل وحدة الصف وأملاً بتحقيق مطالب الإصلاح السياسي وحتى لا نكون سبباً في تشتيت الجهد، أما الآن وبعد حكم المحكمة الدستورية برفض الطعن بمرسوم قانون الصوت الواحد فلا مجال للمجاملة ولا مجال للتهاون مع المتسلقين والمتكسبين... فالهزيمة كانت ثقيلة.
الآن وبعد أن تأكد للجميع أنّ الأفق البرلماني مسدود، ولا مجال للإصلاح عن طريقه، فأنه لا يوجد أمامنا غير طريق الحراك الجماهيري أو كما أفضل أن أسميه طريق "النضال الجماهيري"، وحتى ينجح هذا الحراك علينا أولاً إن نعرف ماذا نريد؟... فنكتب مطالبنا بكل وضوح وبأدق التفاصيل حتى لا يكون هناك أي شك أو لبس عند أي طرف ... ثم علينا بعد ذلك وضع خريطة طريق للوصول لتلك المطالب تتفق عليها جميع الأطراف والقوى السياسية المعنية بالإصلاح الديمقراطي... أما مَنْ لديه موقف رمادي فلسنا بحاجته و"ما يشوف شر" وبكل تأكيد سيأتي مَنْ يشغل الفراغ الذي سيتركه بعد رحيله، فمن غير المعقول أن يأتي طرف بعد كل ما عانيناه في الفترة السابقة وبعد الهزيمة الكبيرة والإحباط الشديد لدى الشباب ليتكسب باسم الدين ويشتت القوى أكثر ما هي مشتتة فيقول نريد دستوراً جديداً بشرعية إسلامية، بينما الشعب يتطلع إلى الإصلاح الديمقراطي من أجل الحرية والكرامة ومحاربة قوى الفساد والاستبداد والنهوض بالبلاد.
________________
* عضو الحركة التقدمية الكويتية.