الديمقراطية تعني حكم الشعب، وبشكل أدق تعني تولي الشعب إدارة شؤون الدولة من خلال التداول السلمي للسلطة، وهذا التعريف لا يعني أن الأكثرية تنفرد في اتخاذ القرارات بمعزل عن رأي الأقلية واحترام هذا الرأي ومناقشته وحفظ حقوق هذه الأقلية و رد الاعتبار لرأيها في حال فشل القرار الذي تعارض ورأيها... والديمقراطية ليست سياسية فقط بل اجتماعية أيضاً، وبرأيي أن الديمقراطية الاجتماعية بما تضمنه من تكافؤ للفرص وتوزيع عادل للثروات ومنع استغلال طبقة لأخرى هي الأرضية السليمة التي تبنى عليها الديمقراطية السياسية، فلا يجوز استخدام الديمقراطية السياسية (أو شرعية الصناديق الانتخابية بشكل أدق) لقمع الطرف السياسي المنافس أو لممارسة التمييز والتهميش من قبل الأكثرية تجاه الأقلية سواء فئوياً أو دينياً أو طائفياً أو مناطقياً، كما أنه لا يجوز استخدام شرعية الصناديق الانتخابية لتقويض الديمقراطية أو إلغاء الدستور مثلاً بحجة أن هذا ما يريده أغلب الشعب، ومن بديهيات الديمقراطية ألا ينفرد أي طرف سياسي بتغيير شروط وقواعد المنافسة الانتخابية بمعزل عن بقية الأطراف، لأن الديمقراطية وقواعدها وشروطها ممثلة بالدستور أو غيره هي بالأساس اتفاق بين هذه الأطراف كلها، وبالتالي فإنّ استبعاد هذه الأطراف عند تغيير هذه الشروط والقواعد يعتبر غشاً فاضحاً إن لم يكن خيانة أصلاً يسقط بسببها كل استحقاق انتخابي أو شرعية لصناديق الاقتراع.
في مصر مثلاً فازت جماعة الإخوان المسلمين بانتخابات الرئاسة ممثلة بمحمد مرسي لأسباب عديدة من أهمها اصطفاف القوى الثورية وراء محمد مرسي لكي لا يفوز أحمد شفيق رئيس الوزراء السابق في عهد الدكتاتور مبارك وممثل (فُلول) نظامه، وكانت عيون الشعب مفتوحة على ما ستفعله السلطة الجديدة في (سنة أولى ثورة) فسقطت هذه العيون على الإعلان الدستوري والذي يعتبر تغييراً لقواعد المعادلة السياسية من طرف واحد، ثم تغيير أعضاء المحكمة الدستورية، وتغيير النائب العام، ثم محافظ الأقصر وإحلال العناصر الإخوانية مكان الآخرين في رئاسة تحرير الصحف القومية و في الدوائر الأمنية والمناصب القيادية في الوزارات وخصوصاً وزارة الثقافة، ناهيك عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي استفحلت، أي أن الشعب أصبح أمام (أخونة) للبلد بطريقة ممنهجة وتحييد وتهميش وإقصاء لكل مَنْ يخالف الإخوان سياسياً، وبذلك لم تعد هناك قيمة لما كان من (استحقاق) الانتخابات و(شرعية) الصناديق لأن الفائز أخل بالشروط والقواعد التي فاز على أساسها، فلم يعد أمام الشعب من سبيل إلا العودة للشارع التي وضعت هذه الشروط والقواعد الديمقراطية بفعل ضغطه ونضاله.
سألني أحدهم سؤالاً وقال لي: هل من المعقول أنه كلما فاز رئيس خرج المخالفون له سياسياً ليسقطوه من خلال الشارع؟ فما فائدة الانتخابات إذاً؟ والجواب هو: من حق أي مجموعة سياسية أن تتظاهر سلمياً ضد الرئيس الذي تختلف مع سياساته، فلو كان الرئيس وجماعته السياسية ملتزمين بالقواعد الديمقراطية التي فازوا على أساسها لما وجد المعارضون زخماً شعبياً يجعل عدد الموقعين على وثيقة (تمرد) ٢٢ مليوناً، فحركة الشارع لن تسقط رئيساً ملتزماً بالدستور والقانون شكلاً ومضموناً، ولن تتعدى التجمعات بضع مئات إن لم يكن أقل، أي أن الشعب يجب عليه أن يلتزم بنتائج الانتخابات بقدر ما يلتزم الفائز بالشروط والقواعد التي فاز على أساسها، ومن حق الشعب إسقاط الفائز من خلال الشارع إذا ما أخل بها أو غيّرها.
قلوبنا مع مصر وأهل مصر لأن كل تغيير فيها سينعكس حتماً على محيطها العربي إنْ سلباً فسلب وإن إيجاباً فإيجاب.