لظروف تاريخية (محلية وإقليمية) انتقلت الكويت في عام ١٩٦١م من نظام المشيخة القديم ذي الطابع القروسطي إلى نظام المشيخة الجديد الذي يتأرجح بين النظامين الرئاسي والبرلماني، لقد أصبح عندنا دستور ولكنه (دستور حد أدنى) يحدد ملامحاً شبه ديمقراطية لشكل الدولة الجديد، وأصبح عندنا نظام انتخابي ولكنه نظام مشوّه يفتقد لأهم ركيزة من ركائز الانتخابات المتمثلة في أحزاب منظمة واضحة المعالم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث يعتمد النظام الانتخابي على شخصيات المرشحين ومؤهلاتهم الفئوية والطائفية والقبلية ومدى قربهم أو بعدهم عن السلطة والتي تمثل كل شيء (تقريباً) في نظامنا السياسي، ناهيك عن نتيجة هذه الانتخابات التي ستؤدي إلى برلمان ثلثه معيّن على هيئة وزراء وثلثاه الآخران تمزقهما المنطلقات والمباديء والأهداف والمشاريع المختلفة لكل عضو من النواب الخمسين الذين يشكلونهما، واستخدمت السلطة هذا الوضع المشوّه والأعرج للمضي في مشروعها الدائم والساعي إلى إعادة الكويت إلى نظام المشيخة القديم بكل ما أوتيت من وسائل.
ورأينا في كل الأحداث التاريخية التي مرت بها الكويت كيف أن انحصار النضال في سبيل التطور الديمقراطي في إطار العمل البرلماني كان دائماً ما يؤدي بنا إلى طريق مسدود، ما يضطرنا للعودة مجدداً لندور في فلك السلطة على حسب القواعد والشروط التي وضعتها لنا.
بيد أن الحراك الشعبي الذي تصاعد في السنوات الأخيرة ساهم في تنامي الوعي السياسي، وبدأنا نسمع نبرة عالية من التذمر والانتقاد لهذا الوضع الذي لا يبدو أن له نهاية في ظل تخلُّف نظامنا الدستوري عن غيره من الأنظمة الدستورية العالمية في أغلب دول العالم وفي كل الدول الديمقراطية، ولقد وصلت الطليعة الواعية في المشهد السياسي إلى قناعة تامة بأن الاستمرار في (لعبة) الانتخابات بات نوعاً من العبث وتمضية الوقت على حساب مستقبل بلدنا وشعبنا، بل زيادة على ذلك أصبحت هذه (اللعبة) مصنعاً لتحويل الناشطين السياسيين إلى أدوات بيد السلطة تساهم معها في خدمة مشروعها الهادف إلى تقويض الهامش الديمقراطي.
لن أتطرق لمن يشارك في هذه (اللعبة) الانتخابية لأهداف شخصية محضة لأنه سيشارك حتى لو تحول مجلس الأمة إلى مسرح للعرائس، ولن أتطرق لمن يشاركون بها لأهداف طائفية أو قبلية أو لقمع المخالفين لهم لأن آخر أهدافهم هي المصلحة العامة إن كانت من ضمن الأهداف أصلاً، ولن أتطرق لمن سيشارك بها لأن أحدهم ربط بعض المناقصات والاستثمارات والمناصب بحبل الاستدراج وبات يسحبها خلفه ليجعله يزحف نحوها حتى يسقطه هو وإياها في قاع قاعة البرلمان، ولكنني سأتطرق لمن يشاركون بالانتخابات إيماناً منهم بأن هذه المشاركة ستساهم بدفع البلد إلى الأمام نحو استكمال الديمقراطية، رسالتي لهؤلاء المشاركين بحسن نية هي: هل تعتقد بأن النظام الانتخابي الحالي سيساهم في تشكيل كتلة أغلبية تستطيع تشريع ما تطمح له أنت من قوانين تساهم في تطوير البلد؟ وإن ساهم بذلك فأين ستذهبون والسلطة ينطلق صفرها من (الثلث) وتسيطر على ثلث آخر من خلال الواسطة والمحسوبية والتحكم بمخرجات الانتخابات بسبب نظامها المشوه؟ وسأذهب معكم إلى أبعد مدى وأفترض حصولكم على ٥٠ عضواً في البرلمان والسلطة لها ١٦ عضواً فقط على هيئة وزراء، هل تعلمون مصير القوانين الذي لا تسير و هوى السلطة؟ بل هل تعلمون مصير المجالس التي لا تسير و هوى السلطة؟ أمامكم مجلسان سابقان (مُبطلان) في سابقة تاريخية عندنا، وربما يصبح هناك مجلسان (مدفونان) أو ربما (متبخرّان)، وكل هذا ليس في مصلحة شعبنا وبلدنا بل في مصلحة شيء واحد فقط وهو مشروع السلطة، وأنا لا أعتقد بأنكم تقبلون أن تكونوا أدوات بيد السلطة.