في زيارة لم تتعدَ الثلاث ساعات في بعض أحياء تيماء، وعلى الرغم من معرفتي السابقة بمعاناة إخواننا البدون، فإن جرحي زاد غوراً.
أول أمر أريد أن أصفه، هو تردي خدمات المنطقة، بشتى أنواعها، الصحية والتعليمية والاستهلاكية، كالجمعيات، حتى الأطفال تجدهم يلعبون بأقدم الألعاب، ويحاولون تسلية أنفسهم قدر المستطاع، حتى لو بألعاب مهترئة مكسورة.
أعلم أن الموضوع تم الحديث عنه وتداوله من قِبل الكثير من الصحافيين وبرامج التلفزيون، لكنه يتوجب عليَّ أن أذكر ما رأيت، وأبدي رأيي حول مقدار الأسى والظلم الواقع على البدون.
ورغم ظروف السكن الصعبة، تم استقبالنا في أحد دواوين أهل المنطقة، لشرح معاناة البدون، ووجدنا من رحابة الصدر وحفاوة الاستقبال ما جعلنا نشعر بأننا لم نغادر منازلنا للقيام بهذه الجولة، وصدق المثل القائل «البيوت بأهلها»، فصِغَر حجم المنازل لم يثنِ أهلها عن تقديم كرمهم واستقبالهم لنا كإخوة، ورأينا قبل أن نسمع منهم المأساة التي يعيشونها كل يوم وعلى مدى عقود من الزمن، فعلى سبيل المثال لا توفر لهم لا شهادات وفاة ولا شهادات ميلاد إلا بعد فحص الجين الوراثي، وهي عملية مكلِفة ومرهقة لرب الأسرة، وبعد ذلك يُطلب منه رفع قضية لإثبات نسب المولود للحصول على وثائق ثبوتية.
إذا مررت على المنازل تجدها ذات طابع واحد أو شكل واحد، هي عبارة عن منازل بمساحة 200 متر تقطنها ما يقارب ثلاث أو أربع أسر، حيث يستحيل على رب الأسرة أن يقوم ببناء دور آخر، لأن الأساسات ركيكة وهزيلة، ما قد يؤدي لنتائج كارثية، كسقوط المنازل على أهلها، وإذا أراد رب الأسرة أن يقوم بتوسعة، فإنه يُضطر لمخالفة قانون البلدية، ويقوم بإنشاء غرف بمساحة لا تتعدَّى المترين المربعين فقط، للتخفيف من ضيق مساحة المنازل.
بالنسبة للحالة المادية للأفراد، فإن أغلب الشباب البدون، إما أن يكونوا باعة جائلين أو موظفي أمن، وبمدخول لا يتجاوز الـ 200 دينار، وإذا كان عائل الأسرة في وزارة الداخلية أو الدفاع، فإن الوضع المادي يكون أفضل نوعا ما من الأسر الأخرى، لكن الحكومة تأبى إلا أن تمارس بطشها بتهديد موظفي «الداخلية» و«الدفاع» بسحب بيوتهم وفصلهم من وظائفهم إن خرج أولادهم بتظاهرات للمطالبة بحقوقهم.
العجيب في الأمر أنه عند خروج الشباب البدون في أولى تظاهراتهم حصلوا على قرار بضمان 11 ميزة تساهم في تحسين أوضاعهم، منها بندان طبقا فعلا، هما بند الطبابة المجانية وبند التموين، أما باقي البنود، فهي حبر على ورق.
في الختام، نقول إن الحقوق لا تُعطى، بل تُنتزع، والمطالبة المستمرة بحقوق البدون عبر التظاهرات والمسيرات، وإقامة ندوات لتعريف المجتمع بحقوقهم المسلوبة وإيصال صوتهم لأغلبية الكويتيين، لا بد أن يأتي بنتيجة ويحل مشكلتهم وينهي معاناتهم اليومية.
ملاحظة:
كتبت المقال أعلاه من واقع مشاهداتي خلال زيارة «ملتقى الشباب الديمقراطي» التضامنية لمنطقة تيماء بتاريخ 5 يناير 2012، ويكرر الملتقى شكره للإخوة البدون الذين كانوا خير عون في إنجاح هذه الزيارة.