لماذا انتظر الجيش المصري أكثر من اسبوعين خلال ثورة 25 يناير قبل أن ينحاز للشعب المصري المطالب بعزل الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولم ينتظر 4 ساعات فقط في 30 يونيو الماضي قبل أن يبدأ بخطوات عزل الرئيس السابق محمد مرسي؟
أنصار عزل الرئيس مرسي يشبّهون تحرّك الجيش بأنه استجابة لثورة شعبية تهدف إلى إنقاذ مصر من براثن حزب الإخوان المسلمين، بينما أنصار مرسي يرونه انقلابا عسكريا صريحا على الشرعيّة والنظام الديمقراطي الذي أتى بمرسي من سجن النطرون ووضعه رئيسا لمصر وللأمة العربية.
تفاعلت معظم دول العالم مع الأزمة المصرية، وتفاوت هذا التفاعل قياسا إلى التجارب السابقة المشابهة التي يمتلئ بها إرشيف التاريخ، وهو إرشيف مجاني وموثوق ومتاح لكل راغب في الإطلاع عليه والإستفادة منه، فأعلنت بعض الدول أن ماحدث في مصر ليس إلّا إنقلابا عسكريا حقيقيا لم يعد العالم يقبل به أو يتسامح تجاهه، وهناك دول أخرى رأت أن ما قام به الجيش يأتي استكمالا لثورة 25 يناير! اللافت للنظر هو أن هناك نوعان من المواقف المؤيدة للانقلاب، النوع الأوّل هو التأييد الخجول الذي لا يعلن ذلك صراحة ولكنه لا يخفي ارتياحه مما حدث، مثل المواقف الأوربية والأمريكية التي آخر ما تتمناه هو وجود نظام اسلامي في قلب القاهرة وعلى مسافة قريبة من حدود " إسرائيل" ربيبتهم وحليفتهم الأولى في المنطقة. ولولا أن التشريعات والقوانين في هذه البلدان تمنع وبصرامة التعامل مع الأنظمة الإنقلابية، لوجدنا طائرات رؤساء هذه الدول تحل تباعا في مطار القاهرة لإظهار الدعم والتأييد لنظام السيسي الجديد.
أمّا النوع الثاني من المواقف المؤيدة للانقلاب فهي الدول التي عملت على زعزعة الوضع المصري الداخلي منذ اليوم الأول لفوز الرئيس المعزول محمد مرسي بانتخابات الرئاسة، وهي ذاتها الدول التي أعلنت ترحيبها بالانقلاب فور وقوعه وهي ذات الدول التي استخدمت ثرواتها الهائلة لتضييق الخناق على الشعب المصري لتأليبه ضد رئيسه الشرعي، ولعل خير مثال على ذلك؛ أزمة وقود السيارات وانقطاع التيار الكهربائي المفتعلة التي عاشتها مصر في الأشهر القليلة الماضية ثم انتهائها وتدفق المليارات فور عزل الرئيس مرسي.
تعيش هذه الدول ومنذ الخمسينيات وحتى اليوم، رعبا شديدا، من الثورات والانقلابات، دفعها طوال تاريخها إلى صرف جزء كبير من ثرواتها لمحاربة الشيوعية والقومية والبعث والقاعدة وصولا إلى محاربة الإخوان المسلمين، ويأتي ذلك بهدف حماية أنظمتها الحاكمة البدائية، فقامت بعقد التحالفات الاستراتيجة المعلنة والسرية مع أمريكا وأوربا( المؤيدة بخجل للانقلاب) من أجل تأمين وجودها وحدودها ضد الأطماع الخارجية وضد أي ثورات شعبية داخلية، مقابل النفط الرخيص والقواعد العسكرية والدعم اللوجستي في الحروب التي يشنها حلف الناتو ضد الدول العربية أو الاسلامية التي تحاول التحرر من هيمنة الحلف وأطماعه الاستعمارية. وهذا ما يفسّر قلّة عدد أفراد جيوش هذه الدول قياسا بثرواتها الهائلة وعدد سكانها مجتمعة، وحصر مناصب وزارات الدفاع على أبناء الحكم، وتولية الأتباع والموالين المناصب العسكرية العليا دون أدنى اعتبار للكفاءة والتاريخ العسكري. هنا يجب أن نتساءل، كيف تخلّصت هذه الدول من رهاب الانقلابات العسكرية، لتقوم بدعم الانقلاب العسكري في مصر سياسيا واقتصاديا ومعنويا؟
يبدو أن سبب ذلك يعود إلى انحسار خطر الانقلابات العسكرية خلال العقدين الماضيين، من جهة، وظهور خطر أكبر من جهة أخرى، وهو الديمقراطية الحقيقية التي أتت المنطقة ممتطية أحلام شباب ثورات الربيع العربي التي تسللت بعض نسائمها إلى داخل هذه الدول، ففاضت سجونها الرهيبة بالمواطنين المطالبين بالإصلاح وحق المواطنة والمشاركة في الثروة والحكم.
إذا كان المشير حسين الطنطاوي قد انتظر في المرة الأولى اسبوعين كاملين قبل أن يزيح حسني مبارك، وأتى بعده الفريق عبدالفتاح السيسي ليزيح محمد مرسي، فمن هو القائد العسكري العربي الذي سيكسر رقم السيسي؟!!