مقال للكاتب و الأديب وليد الرجيب الكاتب في صحيفة الراي الكويتية منع مقاله من النشر اليوم
أصبوحة
سيكلوجية الجماهير وسيكلوجية السلطات
وليد الرجيب
أتيحت لي مساء الأثنين 15 أكتوبر الجاري مراقبة ومتابعة سيكولوجية الأضداد بالعين المجردة وعن قرب، والأضداد في علم المجتمعات وتطورها، تكون متضاربة المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي حالة مساء الاثنين كانت الأضداد تتمثل في الجماهير الغاضبة من ناحية والسلطة وأداتها الأمنية والغاضبة أيضاً من اعتراض الجماهير لمشاريعها من ناحية أخرى، فلكل من الضدين مشروع يتعارض تماماً مع مشروع الآخر.
وبدأ ينمو لدي الاهتمام بسيكلوجية الجماهير وسيكلوجية السلطات، منذ تبلور المد الثوري التحرري العالمي بعد الأزمة الرأسمالية العالمية عام 2008م وما قبلها، ثم تبلور هذا الاهتمام أكثر أثناء الثورات العربية، وبدأت بعدها أسجل الملاحظات وأعيد صياغتها أكثر من مرة حتى تكتسي الطابع العلمي المحايد، وأحاول بصعوبة النأي بنفسي عن موقفي الفكري الذاتي.
ومن الملاحظات التي سجلتها منذ البداية في أوربا هو انكسار حاجز الخوف لدى الجماهير في اليونان والبرتغال واسبانيا وغيرها من دول الجنوب الأوربي، ولكن هذا الانكسار أصبح أكثر وضوحاً "كحالة نفسية" في بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية في حركة "احتلوا وول ستريت"، لكن المثال الذي لا يمكن تجاهله كان في الثورات العربية التي واجهت الرصاص الحي، وفي حالة سوريا واجهت الجماهير قصف المدافع والصواريخ والطائرات، إضافة إلى الحملات التي تهدف إلى الترويع وبث الذعر في قلوب الجماهير عن طريق التعذيب الوحشي والذبح بالسكاكين، لكن ذلك لم يوقف الجماهير عن مطالبها وبدلاً من أن تتراجع ازداد إصرارها على المواجهة مهما كانت بشاعتها.
الملاحظة الثانية هي الفرق بين إبداع الجماهير وابتداعهم لأساليب المواجهة والاحتجاج، وبين قلة إبداع ونمطية القمع السلطوي، ففي كل مجتمع هناك إبداعات جماهيرية خاصة بها يقابلها لا إبداع في أساليب القمع، فالسلطات تكتفي فقط باستخدام العنف وبأدواته المختلفة، وكلما تصاعد العنف السلطوي تصاعد بأضعاف منه إصرار الجماهير على تحقيق مطالبها وانضمام مزيد من الناس إلى صفوف المحتجين، فالألف محتج يصبحون ألفين وثلاثة حتى يصلوا إلى أعداد مليونية، والشيء المشترك بين السلطات القمعية هو الاعتقاد بل والتصريح بأنها تختلف عن السلطات الأخرى، فالقذافي قال أنه ليس كبن علي وليس كمبارك، وعلي صالح صالح قال أنه غير هؤلاء، والأسد قال أن سوريا غير تلك المجتمعات العربية جميعها وهكذا كلما همت سلطة باستخدام أجهزتها الأمنية لقمع المطالبات الاصلاحية، وسيكلوجياً بث موضوع الاختلاف يقصد منه أمرين، الأول هو رفع الروح المعنوية للأمن والطبقة المتحالفة مع السلطات، والثاني هو محاولة كسر الروح المعنوية للجماهير، والمشترك بين السلطات استخدام وسائل الإعلام الرسمي للدعاية والتحريض تصل لحد الكذب والافتراء.
والملاحظة الثالثة هو تحول الاحتجاج السياسي إلى سياسي إجتماعي، فحشد ساحة الإرادة مساء الاثنين لم يكتفي بالتركيز على الخطاب السياسي والانتخابي، ولكنه تحدث عن خطر "تحالف رأس المال مع السلطة" على اعتبار أنه أخطر تحالف، كما ترددت عبارة "الحقد الطبقي" من أحد المتحدثين، وهذا الوعي الطبقي كان موجوداً أثناء المد الثوري الأوربي والعربي، فالجماهير تبدأ بمطالب إصلاحية سياسية لتنتقل إلى وعي اجتماعي أكثر نضجاً، وتربط بوعيها العفوي وغير العفوي الاصلاح السياسي بالاصلاح الاجتماعي، وترى أن من يواجهها عدواً طبقياً تتناقض مصالحه الاقتصادية الاجتماعية عن مصالحها.
أما رجال الأمن فلا يشكلوا رأياً وموقفاً موحداً، فما يوحد أداءهم القمعي هي الأوامر، إذ إن رجال الأمن بشر على استعداد لبذل أرواحهم فداء لأوطانهم، لكن عندما يتعلق الأمر بقمع أهلهم يشعرون بالتناقض النفسي، ما عدا بعض من انتزعت الإنسانية من قلوبهم، وقد رأيت واحداً منهم تلك الليلة.